ماذا تقدّم ريادة الأعمال للاقتصاد الوطني؟

[media]

تلعب ريادة الأعمال دوراً محورياً في عملية التنمية الاقتصادية للدول، وتُشَكِّل في الوقت الحالي نسبةً كبيرةً من الآمال العالمية في مستقبل أفضل، فباستعراض عددٍ كبيرٍ من التجارب العالمية نجد أن أغنى رجال العالم اليوم وأكثرهم تأثيراً في الاقتصاد العالمي هم من روّاد الأعمال، من هؤلاء بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت، وأغنى رجل في العالم، ومارك زوكربيرج مؤسِّس موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، ودافيد كارب مؤسِّس منصة التدوين المصغر الإبداعية تمبلر، وغيرهم الكثيرون.. ما يُعطي مؤشراً على أهمية ريادة الأعمال وتأثيرها الواسع في اقتصاد اليوم، وفي الاقتصاد المستقبلي.


فعلى المستوى الاقتصادي تقدم ريادة الأعمال عدداً من الخدمات المهمة للاقتصاد أبرزها:

حل مشكلات قائمة

تسهم ريادة الأعمال في حلِّ مشكلات قائمة، وتوفير سِلَع وخدمات تسدُّ احتياجاً لدى الأفراد والمجتمعات، فمثلاً بدأت شركة أوبر العملاقة عملها عام 2008م عندما حضر مؤسس الشركة ترافيس كالانيك مؤتمراً في باريس، ولاحظ صعوبة الحصول على سيارة أجرة، ما دفَعه للتفكير في طريقة لاستدعاء سيارات الأجرة عبر الهاتف، ومن هنا نشأت الشركة العملاقة التي وظَّفت حتى منتصف عام 2016م ما يقارب 6700 موظف حول العالم، وبلغت قيمتها السوقية حتى ذلك الحين 66 مليار دولار أميركي.



تقديم خدمات ومنتجات مبتكرة
تساعد ريادة الأعمال في ظهور خدمات ومنتجات مبتكرة، تسهِّل من حياة البشر، وتدعم رفاهيتهم، ما يساهم في حركة التطور البشري بشكل عام، ويُعزِّز من حالة النمو الاقتصادي.
والمخترع ورائد الأعمال الياباني الشهير سويتشيرو هوندا واحد من أبرز الأمثلة على ما يقدّم رائد الأعمال من خدمات للاقتصاد، ففي عام 1928م افتتح هوندا ورشته الخاصة، وتمكَّن في العام نفسه من تسجيل براءة اختراع باسمه لتصميمه مكابح معدنية للسيارات، بعد أن كانت تصنع من الخشب، وبعدها أسس مصنعاً صغيراً يُنفِّذ فيه اختراعاته، ويبيع هذه الاختراعات لكبرى الشركات مثل شركة تويوتا، وكان هذا هو أول ظهور للمكابح المعدنية في صناعة السيارات اليابانية، وبالمثل تمكن هوندا من صناعة الدراجات النارية حين واجهته مشكلة نقص البنزين في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ما دفعَه لاستخدام محرك صغير يعمل بالكيروسين من فوائض المحركات لديه، قام بتركيبه على دراجته الهوائية، ومن ثَمَّ اكتشف الطلب الكبير على هذا الاختراع، ما دفَعه لتطويره بشكل كبير، وتصديره بعد ذلك للولايات المتحدة الأمريكية، التي حقَّق داخلها نجاحاً واسعاً.
وبفضل اختراعات هوندا وجهوده مع غيره من روّاد الأعمال اليابانيين استطاع الاقتصاد الياباني تجاوز أزمته الطاحنة بعد الحرب العالمية الثانية، وتمكَّن من تحقيق المعجزة الاقتصادية التي صعدت باليابان من الهاوية إلى القمة، وعلى هذا الأساس يمكن التنبؤ بقدرة ريادة الأعمال على التنمية المستقبلية مع استمرار تقديمها للخدمات والمنتجات المبتكرة.

تحسين منتجات موجودة بالفعل
لا يقتصر دور ريادة الأعمال على اختراع منتجات وخدمات جديدة، بل يمتد هذا الدور ليشمل تطوير وتحسين منتجات موجودة بالفعل لتصبح أفضل، وأكثر ملاءمة للمستهلك، وقدرة على سدِّ احتياجاته، فمثلاً لم تخترع شركتا كانون أو نيكون -الرائدتان في مجال صناعة التصوير- الكاميرا في البداية، وظلت الريادة لشركة كوداك الأمريكية لعقود طويلة قبل أن تعلن الأخيرة إفلاسها في النهاية، وتترك السوق لشركات أخرى أحدثت تطورات أسرع، وقدمت للمستهلك خدمات أكثر ملاءَمةً لذوقه واحتياجاته؛ ما جعلها تستمر.. والأمر نفسه تكرّر مع شركة سامسونج التي اعتلت قمة المبيعات في صناعة الهواتف النقالة، في حين خسرت شركة نوكيا الرائدة ريادتها؛ لأنها لم تُطَوِّر ولم تُحَسِّن منتجاتها بالشكل المطلوب، والأمثلة كثيرةٌ على هذا النوع من ريادة الأعمال.

تشجيع الدراسات والأبحاث العلمية
اتصالاً بالنقطة السابقة، وخوفاً من فَقْد موضع الريادة، يشجِّع روّاد الأعمال دائماً الدراسات الجديدة والأبحاث العلمية التي تُمَكِّنهم من تطوير منتجاتهم، ويقدِّمون الدعم المالي اللازم للمشتغلين في هذه المجالات المتعلقة بالتطوير، ما يعني أن ريادة الأعمال تُعْطِي دفعة هائلة للتقدم العلمي على المستويات والأصعدة كافة، ما يسهم في تحسين وتنمية اقتصاد المستقبل.

خلق أسواق جديدة
تُساهِم ريادة الأعمال بقوة في عملية خلق أسواق جديدة تستوعب المنتجات والأفكار المبتكَرة، والتحسينات التي أُجريت على المنتجات والخدمات، ولعلّ أبرز مثال على ذلك، النسبة العملاقة التي تملكها الشركات متعددة الجنسيات من الاقتصاد العالمي، حيث تُمَكِّن مشاريع ريادة الأعمال من التوسُّع حول العالم وعدم التقيُّد بدولة أو مكان محدد.
على المستوى العربي فتحت ريادة الأعمال لروّاد الأعمال العرب الطريق باتجاه أسواق جديدة وغير معتادة، ولعل أبرز مثال على قدرة روّاد الأعمال على خَلْق أسواق جديدة هو السوري رونالد مشحور مؤسِّس موقع سوق دوت كوم، الذي تبلغ قيمته السوقية اليوم أكثر من مليار دولار، وجذب مستثمرين من كل أنحاء العالم، أبرزهم مجموعة أمازون العالمية التي استحوذت على الموقع في 28 مارس عام 2017م، ما يؤكِّد على قدرة رواد الأعمال العرب، والمشاريع العربية على اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية التي تساهم بدون شك في تطوير وتحسين الاقتصاد العربي.

على جانب آخر تحقِّق شركة “أختين” لتصميم وصناعة الحقائب نجاحات باهرة في السوق المصرية والعالمية نتيجة لتفرُّد التصميم وجودة الخامات، ما دفَع العديد من نجمات هوليوود إلى اقتناء هذه الحقائب، ما يُعَدُّ مثالاً آخر على قدرة ريادة الأعمال على فتح أسواق لم تُفْتَح من قبل.

خلق فُرُص عمل
في ظل التزايد المطَّرد لحجم البطالة، وتأثير هذا الأمر على الاقتصاد العالمي، تأتي ريادة الأعمال كطوق النجاة لهذا الاقتصاد؛ إذ توفر المشاريع الريادية عدداً كبيراً من فرص العمل، ما يسهم في تخفيف الأعباء عن الدول والحكومات، ويسهم في تنشيط حركة الاقتصاد ككل.

توفير العملات الأجنبية
يركِّز عددٌ كبيرٌ من روّاد الأعمال على توفير المنتجات المستوردة من الخارج، بجودة مناسبة، وأسعار أقل، ما يسهم في دعم العملة الوطنية، وتعزيز الميزان التجاري للدولة، وتقليل الإنفاق على الاستيراد، ويحقِّق فوائض في الميزانية، ويساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني.