Header

 


تبرع لدعم المنتدى

ممنوع منعاً باتاً وضع صور النساء في المواضيع و التواقيع , أو نشر فيديوهات او صور فضائح

 سيتم حذف أي موضوع أو توقيع يشمل ذلك .

العودة   منتــدى الأعمـــال > المنتديات العامة > منتدى الواحـــة الأدبيــة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-08-2009, 09:11 AM   #101
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا



أشرت إلى عكازي المرمي على الأرض وهتفت:
"عكازي"
فانحنى وليد وناولني إياه وهو يقول:
"بسرعة... بسرعة..."
ارتديت خفي المنزلي والذي كنت قد خلعته قبل الصلاة وتركته بجواري, ثم سرت خطوتين في الاتجاه المعاكس... نحو عباءتي... فسأل وليد:
"إلى أين؟؟"
قلت مشيرة إلى الشماعة:
"عباءتي"
فأسرع هو إليها وجذبها والوشاح من على الشماعة... وأقبل نحوي وناولني إياهما... أخذتهما على عجل ومن شدة ارتباكي أوقعت عكازي... وبدأت بارتدائهما فوق حجابي كيفما اتفق, وفي ذات اللحظة... سمعت صوت صفارة سيارة شرطة يزعق من خارج المنزل... هنا.. لم أشعر إلا برجليّ تطير فجأة عن الأرض... وإذا بوليد يهرول نحو المخرج الخلفي للمنزل... حيث المرآب... وهو يحملني... على كتفه... "عكازي!!"
هتفت ونحن نبتعد... لكن وليد لم يستجب... وسار منحني الظهر مترنحا يوشك على الوقوع بي, حتى وصلنا على الباب الخلفي فأقفله بسرعة وكاد ينزلق وهو يهبط العتبات...
أنزلني عن باب السيارة وفتحه ودفع بي إلى الداخل وأغلق الباب وجزء من ذيل عباءتي وطرف وشاحي يتدليان إلى الخارج...
ثم توجه بسرعة إلى الباب الآخر... وهو لا يزال محدودب الظهر مترنح الخطى... ففتحه ورمي بحقيبة كان يحملها إلى الداخل وقفز على المقعد وشغل السيارة وفتح بوابة المرآب واندفع خارجا بالسيارة بسرعة...
كل هذا في ثوان لم تكن كافية لأن أستوعب ما يجري...
وفوق ما أنا فيه فوجئت بأن الجو كان مغطى بضباب كثيف جدا... لم أكن معه أستطيع رؤية شيء في الشارع...
استمر وليد بالقيادة بسرعة لا تتناسب والضباب الكثيف... كان ينعطف يمينا ويسارا فجأة كلما ظهر شيء في طريقنا ولولا لطف من الله لانتهى المطاف بنا إلى حادث فظيع...
عندما ابتعدنا عن قلب المدينة إلى الشارع البري قال لي:
"اتصلي بسامر"
فقلت:
"هاتفي بقي في المنزل"
فأشار إلى الحقيبة التي جلبها معه وقال:
"هاتفي هنا"
فتحت الحقيبة فوجدت فيها مجموعة من الأوراق...وجوازات سفر... وتذاكر رحلات جوية... ورزم من الأوراق المالية...
ووجدت كذلك الهاتف...
كان على الشاشة ثلاث اتصالات فائتة, كلها كانت من سامر.
اتصلت به وما إن رد حتى سحب وليد الهاتف مني وخاطب سامر قائلا:
"نحن في الطريق إليك... ابق مختبئا على مقربة من البوابة وسلاحك في يدك... سأتصل حين نصل"
ثم قال:
"لا أعرف فالضباب شديد ولا أستطيع أن أسرع أكثر من ذلك..."
وأنهى مكالمته ثم التفت إلي وسأل:
"هل أنت بخير؟؟"
كنت أحاول أن أسحب عباءتي العالقة تحت الباب دون جدوى, خفف وليد السرعة وقال:
"افتحي الباب"
وسحبتها أخيرا... ولففت وشاحي حول رأسي...
لم تكن الشمس قد أشرقت بعد... والطريق يخيم عليه الهدوء... ووصلنا إلى جزء وعر منه ارتجت السيارة أيما ارتجاج وهي تعبره...
كنت أحاول النظر إلى الخلف خشية أن تكون سيارات الشرطة في تعقبنا, لكن الرؤية كانت مستحيلة ولم أسمع أي صفّارة...
وصلنا بعد ذلك إلى المخبأ الذي كان سامر وعمي أبو حسام يحتميان فيه. أوقف وليد السيارة وتناول الهاتف واتصل بسامر وقال:
"السيارة أمام البوابة... تعال فورا"
ومن بين الضباب رأيت سامر وأبا حسام يظهران أمامنا...
سامر فتح الباب الخلفي وركب السيارة بسرعة... وأبو حسام أقبل نحو النافذة إلى جانب وليد وهو يهتف:
"انطلقوا على بركة الله"
وليد قال وهو يدوس على كابح السيارة:
"أشكرك يا عم... لن أنسى صنيعك هذا"
فأشار أبو حسام وهو يهتف:
"اذهبوا هيا... يحفظكم الله"
وانطلق وليد بالسيارة وأبو حسام أخذ يلوح لنا وهو يقول:
"انتبهوا لأنفسكم يا أولادي... اتصلوا وطمئنوني عليكم... في أمان الله"
وكما ظهر وسط الضباب, اختفى وسط الضباب...









تستطيع أن تنشر الموضوع قي حسابك على  الفيس بوك وتويتر

التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009, 09:12 AM   #102
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

وليد التفت إلى سامر الجالس في الوراء وسأل:
"هل أنت بخير؟؟"
فرد سامر مندهشا:
"ماذا جرى لوجهك وليد؟؟"
فاستدار وليد إلى الأمام وركز النظر في الطريق...
عندها التفت أنا إلى سامر ونطقت:
"هاجمونا وضربوه حد الموت... العساكر الوحوش..."
ذهل سامر وحدق بي ثم بوليد بأوسع عينين...
فتابعت:
"ماذا كنا سنفعل لو أنهم قتلوه؟؟ ماذا كان سيحدث لي لو أنهم أطلقوا الرصاصة على رأسه كما كانوا يعزمون؟؟"
وسمعت صوت وليد يناديني زاجرا:
"رغد"
فالتفت إليه ورأيت في عينيه نظرة انزعاج... فقلت وأنا أمسك بطرف وشاحي في يدي وأقول:
"أيرضي أحد ما أنا فيه؟؟ ما الذي فعلته لأمر بكل هذا؟؟ إلى متى سأعيش هذا التشرد؟؟ أنا تعبت... تعبت"
وطأطأت رأسي ودفنته بين ثنايا الوشاح وجعلت أبكي بحرقة...
حل صمت طويل علينا... وانشغل كل منا بأفكاره الخاصة... إلى أن أحسست بسرعة السيارة تخف تدريجيا... ثم تتوقف.
نظرت إلى وليد فرأيته ملتفتا إلى سامر يخاطبه قائلا:
"تول القيادة... أنا مرهق"
ثم سمعت صوت الباب الخلفي ينفتح وينزل سامر... التفت وليد إلي وقال:
"اذهبي للخلف"
وخرجنا جميعا من السيارة لتبديل مقاعدنا. وقبل أن يركبا, منحاني فرصة لنزع حجاب الصلاة الأبيض وارتداء الوشاح والعباءة الأسودين... كنت ألقي بنظرة عليهما... وأرى وليد يقف محني الظهر... مستندا إلى السيارة... والتعب جلي عليه... أخذت أراقبه عبر زجاج النافذة دون أن ينتبه... وعندما ركب السيارة بادرت بسؤاله:
"هل أنت بخير وليد؟؟"
فأجاب وهو يسند رأسه إلى مسند السيارة:
"سأكون كذلك"
وسمعت سامر يقول:
"أنا آسف يا أخي"
فيرد وليد:
"لا عليك... انطلق بسرعة... يجب أن نصل في الموعد المحدد"
سار سامر بسرعة أبطأ من سرعة وليد... وعلل ذلك بعد اتضاح الرؤية أمامه... وبعد فترة بدأ الضباب ينقشع حتى زال تماما... قبل أن نصل على الحدود.
أظن أن وليد قد غفا لبعض الوقت من شدة إعيائه... وعندما اقتربنا من أول نقاط التفتيش عند الحدود سمعت سامر يخاطبه قائلا:
"وليد...وصلنا"
وكان صوت سامر مغلفا بالخوف والقلق... وليد تحرك من مقعده ثم أخذ يستخرج بعض الأوراق من جيوب سيارته فيما قلوبنا تخفق بشدة وأعيينا مفتوحة أوسعها متربصة بأي شخص يظهر في الصورة...
تناول وليد حقيبته اليدوية واستخرج الجوازات... وخاطب سامر بينما كان يوقف السيارة:
"أنا سأنزل لإتمام الإجراءات المطلوبة. وأنت ابق ملازما رغد. إياك والخروج لأي سبب. وإذا ما واجهت مشكلة لا قدر الله... فسأعطيك إشارة... وانطلق بالسيارة بأقصى سرعة ولا تأبه لشيء"
حملقنا في وليد بذعر ونحن نزدرد ريقنا متوجسين خيفة... قال سامر:
"ماذا؟؟"
فقال وليد:
"افعل ما قلته لك. إذا أحسست بالخطر فسأعطيك إشارة للهرب... وإن أعترضك أي شيء فاقتله... وأنا سأتكفل بالباقي"
ولم يترك لنا الموظف فرصة للاستيعاب, إذ به لوح بيده مشيرا إلينا... فنزل وليد من السيارة وقبل أن ينصرف قرب وجهه من النافذة وهو يقول:
"لا تنس ذلك"
وألقى علي نظرة... ثم انصرف إلى الموظف.
أخذت الوساوس تتلاقفني يمينا ويسارا... وأخذت أتضرع إلى الله من أعماق قلبي وبكل إلحاح... أن يسهل الأمر علينا ويخرجنا معا من دائرة الخطر سالمين...
رأيت سامر يمسك بشيء بين يديه وسرعان ما تبين لي أنه مسدس... فتفاقم الفزع في نفسي وكدت أخرّ مغشية من شدة الخوف...
مرة الدقائق التالية كالقرون... ونحن ننتظر عودة وليد وأعيننا محملقة عبر النوافذ في الاتجاه الذي سار فيه. وبعد هول الانتظار ظهر وليد أخيرا يتقدم نحونا يحفه اثنان من رجال الأمن, يرتدون زيا عسكريا. لدى رؤيتي لهم انفجر قلبي بقنبلة من النبضات الصارخة المدوية... كنت أشعر بها تصطدم بأسفل قدمي وربما تهز السيارة...
سامر بسرعة خبأ مسدسه تحت المقعد وتظاهر بأنه يستخرج أحد الأقراص المدمجة, وشغل المسجل... وأذكر أن القرص كان يبتهل ابتهالا خاشعا... كان وليد كثيرا ما يشغله أثناء مشاوير ذهابي وإيابي من الجامعة برفقة مرح.
وصل وليد ورجلا الأمن, وأشار أحدهما إلى سامر بأن يفتح حقيبة السيارة الخلفية... بينما طلب الآخر منه أن يفتح النافذة... وعندما فتحها ألقى بنظرة علينا ثم على جوازات السفر التي كانت في يده... وطلب من سامر أن يبرز بعض الوثائق الخاصة بالسيارة... ثم انصرف... وتبعه الرجل الآخر...
وليد اقترب من النافذة فتشبثت به أعيننا, قال:
"سأنهي الإجراءات وأعود... تسير الأمور بشكل جيد"
فجذبت نفسا عميقا... علّ ذلك يهدئ من سرعة خفقان قلبي ولو الشيء القليل...
وانصرف وليد, ثم عاد بعد قليل... وركب السيارة وقال:
"انطلق"
لم نصدق آذاننا لا أنا ولا سامر... لذا... بقينا متسمرين... ولم تتحرك السيارة... فنظر وليد إلى سامر وقال:
"هيا"
فسأل سامر:
"انتهى كل شيء؟؟"
فأجاب وليد:
"ليس بعد... لكننا تخطينا أول العقبات..."
وجملته الأخيرة أجهضت بذرة الطمأنينة التي ما كادت تنبت في قلبي... وتجاوزنا عقبتين أخريين, وخرجنا من حدود بلدنا... ودخلنا حدود البلدة المجاورة... وهناك طلب منا رجال الأمن الخروج من السيارة لتفتيشها...
تبادل وليد وسامر نظرة وإن خفيت عن رجال الأمن فهي لم تخف عني... سامر حاول أن يستخرج المسدس متظاهرا بأنه يعدل من وضعية مقعده... غير أن يده لم تطله... ربما فهم وليد حركة سامر... وكان رجال الأمن من حولنا... فأطل وليد عبر نافذته وقال:
"الفتاة لا تستطيع النهوض إذ أن رجلها مجبرة"
في محاولة للإفلات من التفتيش, غير أن أحد رجال الأمن قال:
"فليساعدها أحدكما على ذلك"
ولم يجد وليد بدا من أن يلتفت إلي ويقول:
"سأساعدك"
وكانت عيناه مضطربتين وقطرة من العرق سالت على جبينه نصف المخبأ تحت قبعته.
خرج وليد من السيارة وفتح الباب المجاور لي ومد يديه... وعندما خرجت من السيارة ووقفت على رجلي... راح يتلفت يمينا وشمالا بحثا عن مقعد... ووجدنا مقاعد حجرية على بضعة أمتار فقال:
"سأرفعك"
ثم التفت إلى سامر وقال:
"تعال معنا"
ولكن وليد وبعد أن سار بي خطوتين لا غير أحس بالتعب وهتف:
"أخي"
وسرعان ما رأيت ذراعيّ سامر تمتد وتحملني...
وصلنا إلى المقاعد فأجلسني سامر على أحدها وجلس وليد قربي مباشرة... وسمعناه يتنفس بقوة...
سامر سأل:
"أأنت على ما يرام؟؟"
فأومأ وليد بنعم وإن كان مظهره يثبت عكس ذلك... وأرسل أنظاره إلى رجال الأمن وهم يفتشون السيارة...
جلس سامر إلى الجانب الآخر مني وإذا بوليد يسأل:
"أهو معك؟؟"
فيجيب سامر:
"في السيارة"
فيرد وليد:
"تبا! أين تركته؟؟"
فيجيب سامر:
"تحت المقعد... لن يصعب عليهم العثور عليه"
فيقول وليد:
"أحمق... لماذا لم تخبئه جيدا أو حتى ترمي به من النافذة قبل وصولنا إلى هنا"
فيقول سامر:
"ألست من طلب مني إحضاره معي؟؟ لم يتسع المجال للتخلص منه"
فيعقب وليد:
"سيورطنا هذا المشؤوم... تبا.. من أين حصلت على مصيبة كهذه؟"
وما كاد ينهي جملته حتى رأينا رجال الأمن يكتشفون وجود سلاح مخبأ في قلب السيارة...
اشرأبت أعناقنا وجحظت أعيينا وجفت حلوقنا... ونحن نرى أحد رجال الأمن يقبل نحونا قابضا على السلاح بمنديل... كان ابنا عمي جالسين إلى جانبي ولما اقترب رجل الأمن وقفا واقتربا من بعضهما وسدا المرأى من أمامي... وسمعت صوت وليد يهمس:
"دعني أتصرف. لا تتفوه بشيء. لازم رغد"
ثم سمعت صوت رجل الأمن وقد صار على مقربة يسأل:
"لمن هذا الشيء؟؟"
مرت لحظة صامتة حسبت أنني فقدت السمع من طولها... ثم إذا بي أسمع:
"إنه... لي"
أتدرون صوت من كان؟؟
صوت وليد...
أو ربما... توهمت ذلك... إذ أنني مع هوسي بوليد... وفي حالتي هذه التي لا مثيل لها... أصبحت أتوهم كل شيء...
عاد صوت رجل الأمن يسأل:
"هل لديك تصريح رسمي بحمله وإدخاله إلى هنا؟؟"
"لم أجلب معي التصريح"
هذا صوت وليد... أنا واثقة من أنه صوت وليد.. لا يمكنني أن أخطئه... وليد قلبي!
"تعال معي لو سمحت"
قال ذلك رجل الأمن, ثم رأيت وليد يبتعد عني خطوة, ثم يلتفت إلى سامر ويقول:
"ابق مع رغد. إياك أن تبتعد عنها لأي سبب مهما كان"
فيرد سامر:
"وليد! ما الذي..."
ويقاطعه وليد قائلا:
"لازم الصمت. فقط ضع الفتاة نصب عينيك... أتفهمني؟"
ومال وليد بجسده قليلا لينظر إلي... ولم أستطع لحظتها حتى أن أتأوه... ورأيته يبتعد خطوة بعد خطوة... إلى أن توارى عن أنظاري...
حينها فقط أطلقت صيحة مكبوتة:
"وليد!!"
ومددت يدي إلى الأمام محاولة الإمساك بظله... لكنه تلاشى...
مرت نحو ساعة... ونحن عند المقاعد, أنا جالسة... وسامر يجلس تارة ويقف أخرى... في توتر فظيع...
بعد ذلك... أقبل إلينا أحد رجال الأمن وطلب منا مرافقته.
سأل سامر:
"أين شقيقي؟؟"
فأجاب الرجل:






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009, 09:13 AM   #103
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

"سيحوّل إلى لجنة التحقيق"
فزعت وشهقت رغما عني... نظر الاثنان إلي ثم إلى بعضهما البعض... وقال سامر:
"تحقيق؟؟"
فأجاب رجل الأمن:
"نعم. فهو يحمل سلاحا ويعبر به الحدود دون ترخيص"
قال سامر:
"ماذا ستفعلون به؟؟"
أجاب:
"سيخضع للتحقيق... لا أعرف تحديدا. المهم... هلاّ رافقتماني الآن؟؟"
سأل سامر:
"نرافقك إلى أين؟؟"
فأجاب:
"للتفتيش الشخصي أولا, وبعد التفتيش, سننقلكما إلى أقرب نقطة بعد الحدود ومن هناك تابعا طريقكما إلى المدينة في سيارة أجرة إذ أننا سنحتجز سيارتكم عندنا لحين انتهاء التحقيق وإجراء اللازم"
التفت سامر إلي... وكان وجهه مكفهرا محتقنا بالدماء... ولم يقل شيئا... أما أنا فقلت وأنا أحرك رأسي اعتراضا وتهديدا:
"أنا لن أبرح مكاني حتى يعود وليد"
فهم سامر قصدي, وخاطب رجل الأمن سائلا:
"أين شقيقي الآن؟ أريد أن أراه"
فأشار الرجل بيده إلى المبنى الذي اختفى وليد خلف جدرانه, فقال سامر:
"خذني إليه من فضلك أولا..."
فقال الرجل:
"لا بأس, تفضل"
عندها مددت يدي وأمسكت بمعطف سامر... أذكره بأنني هنا...
التفت سامر إلي ثم إلى الرجل وسأله:
"هل لديكم كرسي متحرك؟ الفتاة لا تستطيع المشي"
فرد الرجل:
"لا, للأسف"
وعندما نظر سامر إلي أعدت أقول:
"أنا لن أتحرك من مكاني قبل مجيء وليد"
فقال:
"دعيني أراه أولا وأعرف ما أفعل.."
واستخرج هاتفه من جيبه واتصل بوليد...فسمعنا صوت رنين هاتف على مقربة وعندما التفتنا إلى الصوت رأينا وليد يظهر وبرفقته شرطي, يسيران متقدمين إلينا...
وقفت من شدة هلعي على رجليّ... وكنت أرتدي خفا منزليا على قدمي اليمنى, بينما الأخرى مجبرة... وأحسست بحرارة الأرض تتخلل خفي وتلهب قدمي, حينما صار وليد أمامنا راح ينقل بصره بيننا ثم قال:
"اذهبا مع رجال الأمن. سيوصلونكما إلى أطراف المدينة. وبعد ذلك استغلا أي سيارة أجرة واتجها إلى المطار. التذاكر وكل ما تحتاجانه في حقيبتي اليدوية"
فقلنا معا:
"وأنت؟؟"
فقال بصوت خافت لا يتعدى بعدنا:
"سأسوى المسألة هنا وألحق بكما"
أنا قلت مندفعة:
"لن نذهب لأي مكان من دونك"
فأومأ لي وليد بنظرة من عينيه ثم قال:
"لا وقت لنضيعه في الكلام. الطائرة ستقلع بعد ساعتين. يجب أن تدركاها وترحلا بسلام"
ثم أخفت صوته وقال:
"أي تأخير سيبقيه في دائرة الخطر... عجلا"
هتفت:
"ولكن"
فقاطعني زاجرا:
"بدون لكن... أتفهمين؟؟"
وحدق بي لثوان... بنظرة زاجرة حادة...
ثم التفت إلى سامر وقال:
"انتبها لنفسيكما جيدا..."
ونطق سامر بنبرة حزينة توشك على البكاء:
"أخي..."
فرفع وليد يديه وحط بهما على كتفي سامر... كأنه يستند عليه, لا يسانده... ثم تنهد تنهيدة ألم مريرة... ربما لأن ذراعه شبه مخلوعة جريحة... أو ربما لشدة صعوبة المأزق الذي كنا فيه... قطب حاجبيه ثم أرخاهما وقال:
"اهتم برغد... إنها أمانتك أنت الآن..."
ثم نقل بصره فيما بيننا وقال أخيرا:
"في أمان الله"
لا أذكر... تفاصيل ما حدث بعد ذلك... لا أذكر... إلا وأنا في سيارة... أنظر عبر زجاج النافذة... ووليد في الخارج... يقف بين رجال الأمن... يلوّح إليّ... والسيارة تبتعد... وتبتعد... وتبتعد... ويتلاشى وليد... كما يتلاشى السراب...
فجأة... بين عشية وضحاها... بل بين لحظة واللحظة التي تليها... تحولت حياتي إلى شيء خال من وليد!
يختفي من حياتي فيما أنا أراقبه... وهو يبتعد... دون أن أملك القدرة على فعل شيء...
ابتعدت السيارة كثيرا... وعيني لا تزال تحدق عبر النافذة... تفتش عنه!...
وصورته الأخيرة... هو يلوح لي بيده... مودعا... هي الصورة الأكثر إيلاما... التي اختزنتها محفورة في ذاكرتي... كأقسى لقطة وداع فرّقتني عن وليد قلبي... من بين كل لحظات الفراق الأخرى في حياتي... على الإطلاق...
أصابتني حالة ذهول... فقدت القدرة على الكلام... القدرة على التفكير... القدرة على التصرف... وانقدت لما كان سامر يطلبه مني دون أن اعرف ما هو...
لم أستفق من حالة التيه... إلا عندما وجدت نفسي أهبط من الطائرة إلى مطار الوصول... وأفتش عن وليد بين المسافرين...
رأيت كل الناس... كل الأجناس... من كل العالم... كل البشر الذين خلقهم الله... كلهم من حولي... إلا وليد!
لم أر منه إلا لقطة أخيرة... وهو يلوح لي مودعا... وعيناي تشيعانه... عبر زجاج النافذة...
لم أشعر بنفسي إلا وأنا أصرخ في المطار كالمجنونة:
"أعيدوني إلى وليد"

************

اللقاء بدانة كان حميما وملتهبا جدا... امتزجت فيه دموع الشوق بدموع الذكريات الأليمة... بدموع القلق... لكن أكثر الدموع طغيانا كانت تلك التي فجرتها رغد حزنا وخوفا على وليد. سقتني كؤوس القلق والندم جرعة على مدى الفترة المفجعة التي تلت وصولنا إلى هذه البلد. فقدنا الاتصال بوليد... حتى أننا لم نطمئنه إلى أننا وصلنا بسلام... وما فتئنا نحاول الاتصال به بكل الأرقام وفي كل الأماكن الممكنة دون جدوى. لم نعرف إن كان لا يزال في البلدة المجاورة لبلدتنا أم أنهم قد رحّلوه إلى بلدنا... أم إلى مكان آخر...
وإن كان في قبضة الشرطة أم أنهم قد أخلو سبيله... اتصلنا حتى بالمنزل والمزرعة والمصنع.. بلا جدوى.. وتولى عمي أبو حسام مهمة تقصي أخباره في البلد واستخدم كل الطرق, دون نتيجة حتى الآن.
أخشى ما كنا نخشاه... هو أن تكون السلطات قد زجت به في السجن أو فعلت به شيئا... وأنا لن أسامح نفسي أبد على ما قد يكون شقيقي قد تعرض إليه بسببي.
وليد قدّم من أجلي تضحية كبيرة... ضحى بنفسه من أجل إنقاذي وفضلني على نفسه... وتحمل وزري نيابة عني...
أنا أيضا... مستعد الآن لأن أضحي بكل شيء... من أجل ظهوره وعودته إلينا سالما.
أقمنا في منزل دانة وعائلتها. وهو منزل كبير مؤلف من عدة أجنحة, كان يسكنه أمير أو ما شابه قبل أن يشتريه نوّار... زوج دانة... لاعب الكرة الشهير... والمليونير...
ولأنني عدمت خيارا آخر, فقد اضطررت للمبيت هنا مؤقتا لحين مجيء أخي أو إيجاد حل بديل.
نوّار وعائلته رحبوا بنا وخصّصوا لنا غرفتي نوم في أحد الأجنحة وضيّفونا بسخاء. واعتمدت على النقود التي تركها وليد في حقيبته لشراء الضروريات.
آه أجل...
لا بد وأنكم تتساءلون عن رغد... وما حل بها بعد وليد...أول ليلة قضتها في هذا المكان كانت أفظع من الوصف. كانت في حالة ذعر متواصل واضطرت دانة للمبيت إلى جانبها في الغرفة. كانت تصف لنا كيف هاجم رجال المباحث وليد وأوشكوا على قتله... وكانت تعتقد بأنه الآن في قبضتهم وأنهم سيقتلونه... كانت ستموت بهذا الاعتقاد... واضطررت لاحقا لأن أتفق مع عمي أبي حسام على أن يخبرها بأن وليد بخير ولا يزال محبوسا تحت التحقيق وأنه سيلحق بنا فور خروجه. ارتابت في كلام أبي حسام أولا ولكنها صدقته في النهاية حتى ولو من باب التعلق ببصيص الأمل...
صرنا لا نجرؤ على ذكر اسمه على مسمعها... خشية أن تفلت الحقيقة من ألسننا سهوا... وتعود للهستريا المرضية تلك... وبقينا نتظاهر بالاطمئنان والتفاؤل فيما أفئدتنا يمزقها القلق... والبحث ولاتصالات جارية... ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم...
"انظر سامر... هل هكذا زاوية أنفه؟.. ألا تبدو أقل حدة؟؟"
تسألني وهي واقفة أمام لوحة جديدة ترسمها لوليد... وهو يلوح بيده... وتقارنها بصورته...
كانت الساعة التاسعة ليلا... هكذا قضت ساعات الأمس واليوم... تكرر رسم وجوه أمي وأبي ووليد... من الصور الفوتوغرافية التي كانت بحوزة دانة... الصور التي تم التقاطها لنا ليلة زواجها... وأخرى التقطت لوالدي الراحلين... عندما ذهب العريسان لزيارتهما قبل هجرتهما إلى هذه البلدة...
أجبت:
"ألم تتعبي من الوقوف؟ أريحي رجليك قليلا... لا تزالين في فترة النقاهة"
وقد نُزعت جبيرة رجلها اليسرى مؤخرا, فقالت وهي محملقة في اللوحة:
"رجلاي اعتادتا الكسل طيلة الشهور الماضية. آن الأوان لتنشيطها"
وأخذت تتأمل اللوحة ثم قالت:
"لا...! لم أتقن رسم الأنف..."
وإذا بها تزيل اللوحة التي قضت ساعات في رسمها وتضعها جانبا... وتضع لوحة بيضاء جديدة استعداد للرسم من جديد...
نزعتُ اللوحة من العمود ووضعتها جانبا... ونظرت إلى رغد بحزم... فنظرت إلي وهي تعبس بانزعاج...
قلت لها:
"يكفي يا رغد... إلى متى ستظلين ترسمين هكذا؟"
فتبدلت تعبيرات وجهها ثم قالت:
"إلى أن... تظهر الأصول... ولا أحتاج إلى الصور"
ثم رمت بالفرشاة والألوان من يدها وسارت مسرعة إلى سريرها وأكبت على وجهها فوق الوسائد وأخذت تبكي...
التفتُ إلى دانة... التي كانت تجلس على المقعد أمام المرآة... تتابعنا من خلالها... وهززت رأسي أسفا وحزنا على رغد.
هممت بالاقتراب منها والتحدث إليها, غير أن دانة أشارت إلي بألا أفعل... فلذت بالصمت وبقيت أسمع صوت نحيبها المرير... وقامت دانة فاقتربت منها وحاولت تشجيعها ببعض الكلمات... فخرجتُ من الغرفة ووقفت قرب الباب بين رغبتين متعارضتين في البقاء إلى جوارها والابتعاد عنها.
وبعد قليل رأيت دانة تخرج من غرفة رغد وتغلق الباب من بعدها... وتنظر إلي والحزن يطلي وجهها بلون رمادي معتم.
فسألتها:
"ماذا قالت؟؟"
فأجابتني بحزن بليغ:
"سألتني عن كنت أملك أيضا...صورة لوالديها الحقيقيين... عمي وزوجته... رحمهما الله!"






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009, 09:15 AM   #104
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

ولم يكن قد سبق لرغد وأن طلبت شيئا كهذا ولم تكن تبوح بحنينها لوالديها أو تعبر عن أي مشاعر تكنها لهما... منذ كانت طفلة صغيرة... على الأقل هذا ما اعتقده...
أضافت دانة بأسى:
"لو أننا نعلم أين وليد الآن... إلى متى سنظل نجهل مصيره؟؟"
أشرت إليها أن تخفض صوتها... لئلا يصل إلى مسامع رغد وصمتٌ لبرهة ثم قلت هامسا وأنا أعقد العزم:
"سأذهب للبحث عنه بنفسي"
عندها تلاشت العتمة الرمادية عن وجه دانة وحل التوهج الأحمر على وجنتيها وقالت:
"تذهب أنت؟؟ لا! مستحيل"
فقلت:
"لا بد من ذلك يا دانة"
فإذا بها تمسك بذراعي وتهز رأسها اعتراضا وتقول منفعلة:
"كلا... لن أدعك تذهب يا سامر... الآن لدي أخ واحد موجود, هل تريد أن أفقدكما أنتما الاثنين؟؟"
فقلت:
"ولكن يا دانة"
ولم تدع لي المجال لإتمام الجملة بل أسندت رأسها إلى كتفي وقالت:
"لا تفكر يا سامر... أنا ما كدت أصدق... أنك معي الآن... ما أحوجنا... أنا ورغد إليك... أنت من تبقى لنا من العائلة... أرجوك لا تفكر في الذهاب"
علاقتي بشقيقتي دانة كانت قوية جدا منذ الصغر... كنا صديقين حميمين... وكنت أعتبرها أقرب الناس إلي... وكانت الوحيدة التي أبث لها بهمومي وأشكو إليها مخاوفي.
والآن... بعد اجتماعنا من جديد عقب كل ذلك الفراق, استعادت علاقتنا حرارتها ومتانتها... وأخبرتها بتفاصيل ما حصل معي ومع المنظمة... والشرطة... وبكل ما مر بي منذ ليلة زواجها وحتى الآن... بل وحتى عن العملية التي أُكريت لجفني... وعملية الاغتيال الفاشلة التي شاركت فيها... والمؤامرات التي حكناها وكنا على وشك تنفيذها...
وحالة اليأس التي اعترتني لدى فقد أحبتي... ورغبتي في الانتقام لمقتل والديّ... تفاصيل كثيرة ومريرة... أعارتني لسماعها الأذن الصاغية.. والصدر الرحب.. والقلب الحنون.. كعادتها دوما... ما ضاعف شعوري بالندم والخجل من أفعالي...
مسحت على رأسها مؤازرا... فنظرت إلي ببعض الرضا ثم قالت:
"كما أنني لا أستطيع تحمل مسؤولية رغد... تعرف أنه لا طاقة لي بمزاجها في الوضع الطبيعي, فكيف بها وهي في هذه الحال؟؟"
شردت قليلا.. وتذكرت شقيقي في يوم فرارنا... وهو يوصني برغد ويحذرني من الابتعاد عنها مهما حصل... وغزت ابتسامة ساخرة واهية زاوية فمي اليمنى... لاحظتها دانة فسألت:
"ما الأمر؟؟"
فأجبت:
"تذكرت وليد... وهو يوصيني على رغد... كأنه كان يعرف... أنه لن يواصل الطريق معنا"
وشردت برهة ثم تابعت:
"كانت آخر كلماته لي: (إنها أمانتك أنت الآن) ..."
وأسندت رأسي إلى الجدار ونظرت للأعلى وخاطبت وليد الغائب في سري:
(هذه الأمانة... لا تريدني أنا يا وليد... بل تريدك أنت)
ثم صفعت برأسي في الجدار بمرارة...
عدت أدراجي إلى غرفة نومي... وما إن دخلتها, حتى سمعت صوت هاتفي يرن...أسرعت إليه متمنيا أن يحمل الاتصال خبرا جيدا... كان المتصل هو سيف الحازم... صديق وليد المقرب... يخبرني وللعجب والدهشة... أنه مع وليد الآن... في البلدة المجاورة لبلدتنا... في إحدى المستشفيات...

************

منذ أن تلقيت اتصاله يوم الجمعة هرعت إلى وليد... أنا مع والدي مسافرين برا إلى المدينة المجاورة. وليد كان معتقلا لدى سلطات البلدة لتورطه بقضية حمل سلاح بدون ترخيص. لم نحصل منه على تفاصيل عبر الهاتف ولدى وصولنا فوجئنا بمن يبلغنا بأنه قد نقل تحت الحراسة إلى إحدى المستشفيات نتيجة تدهور وضعه الصحي المفاجئ...
مفاجآت وليد هذه لا تنتهي ولم تكن لتخطر لأحد على بال...
تولى والدي-وهو محام كبير كما تعرفون- أمر القضية وحصلنا على إذن رسمي بزيارته داخل المستشفى يوم الاثنين. قابلنا الأطباء وسألناهم عن وضعه قبل زيارته فأخبرونا بأنه كان لديه نزيف حاد في معدته وتمزق في جدارها والتهاب شديد في أنسجة البطن... وأنهم اضطروا لإدخاله إلى غرفة العمليات وإجراء عملية عاجلة له... وإعطائه كمية كبيرة من الدماء...
تعلمون أن وليد يشكو منذ زمن من قرحة في المعدة ويظهر أنها اشتدت وتمزقت ونزفت بغزارة...
هذا تفسير معقول...
لكن الغير معقول والغير مصدق... هو ما قالوه أيضا... أنهم وجدوا علامات على جسده تشير إلى أنه تعرض للضرب أو التعذيب الشديد قبل ساعات من فحصه...
أما الأشد غرابة فهي ورطة السلاح... وهذا السفر المفاجئ لوليد... والغموض الشديد الذي يغلف القضية...
دخلنا غرفة وليد يسبقنا فضلونا للاطمئنان عليه ومعرفة التفاصيل... لكن ما إن وقعت أعيينا عليه حتى أطبقت على فمي كي لا أطلق شهقة قوية تثير بلبلة من حولي... وحملقت فيه مذهولا... وكذلك فعل والدي.
اقتربنا من سريره بخطى مترددة... إذ أننا لم نتيقن من كون هذا المريض هو بالفعل وليد... وأن القضية كلها ليست تشابه أسماء أو سوء فهم...
رباه... أحقا هذا وليد؟؟
اللهم نسألك اللطف والرحمة...
كان مغمض العينين, ربما نائم... ربما فاقد الوعي... أو ربما أسوأ من ذلك. جسمه ملفوف بالضماد في عدة مواضع والعديد من الأجهزة موصلة به. جهاز يراقب نبض القلب, جهاز يكشف مستوى الأوكسجين, جهاز يقيس ضغط الدم... وقارورة دم معلقة قربه... تقطر دما متدفقا عبر الأنابيب إلى وريده... كان يبدو مزريا... وكانت هناك ممرضة قابعة بجواره تراقب شاشات الأجهزة وأخرى تقف في الجانب الآخر وتعمل على تنظيف ما ظهر لنا أنه جرح في البطن. الغرفة تعبق برائحة الأدوية والمطهرات... ويدوي فيها طنين الأجهزة كأنه صفارة إنذار بالخطر...
اهتز قلبنا لدى مشاهدة المنظر وتبادلنا نظرات الاستغراب والأسف.
عندما نزعت الممرضة الضمادات عن الجرح رأينا حركة تصدر من الجسم الممدد على السرير تحت اسم صديقي وليد... قفزت أعيننا نحو عينيه ولكنه لم يفتحهما... بل حرك يده على السرير وكأنه يعتصر ألما...
قالت الممرضة:
"اصبر قليلا"
ثم نظرت الممرضة الأخرى إلى ساعة يدها وقالت:
"إنه موعد المسكن على أية حال"
وحقنت دواء ما عبر أنبوب المصل المغروس في ذراع وليد. أثناء جريان الدواء إلى وريد وليد كانت تعبيرات الألم ترسم على وجهه تجاعيد عابسة حزينة... اقترنت بانقباض يده واعتصار عينيه... على إثر هذا لم أتمالك نفسي وأقبلت نحوه بهلع وهتفت:
"وليد... وليد..."
رأيت وليد يفتح عينيه... ثم يحاول تحريك رأسه ببطء يمينا ويسارا يفتش عن مصدر الصوت... فمددت يدي إلى يده وشددت عليها وقلت:
"وليد... صديقي... أنا هنا... سيف"
التفت وليد إلي, وبدا أنه غير مصدق, أو مشوش الرؤية... وأحسست بأصابعه تحاول أن تشد علي.. إلا أنها سرعان ما ارتخت وسرعان ما أسدلت عينيه الجفون وغطت الرؤية. وعندما ناديته بعدها لم يجبني.
وسمعت الممرضة تقول:
"أعطيته للتو الدواء المخدر"
فالتفتُ إليها وسألت في ذات الوقت الذي سأل والدي:
"هل هو بخير؟؟"
فأجابت:
"يتحسن. غير أنه لا يزال بحاجة إلى المخدر للسيطرة على الألم"
بعدها ذهب والدي لمتابعة القضية وبقيت بجوار وليد أراقبه بتمعن واعد الثواني متزامنة مع قطرات الدم المتدفقة من القارورة... متناغمة مع طنين الأجهزة ومؤشر دقات قلب وليد... وأنا شديد الحيرة والقلق والتشويش... إلى أن استفاق وليد أخيرا بعد نحو ساعتين... فاقتربت منه وشددت على يده برفق وقلت:
"سلامتك... يا عزيزي... ماذا حل بك؟؟"
نظر وليد نحوي وشد بضعف على يدي وأومأ متجاوبا معي... ثم نطق والقلق يغطي تعبيرات وجهه:
"سيف... الهاتف"
وفهمت منه أنه يريد استخدام الهاتف... استخرجت هاتفي وفيما أنا أمده نحوه سمعت الممرضة تقاطعنا قائلة:
"ممنوع... لا للهواتف المحمولة هنا"
تلفت من حولي ولم أجد جهاز هاتف ثابت فسألت:
"إذن كيف يمكننا الاتصال؟؟"
فقالت:
"خارج المبنى"
عدت إلى وليد والذي اشتد القلق على وجهه وسألت:
"بمن تريدني أن أتصل؟؟ بزوجتك؟"
فأومأ برأسه نفيا ثم قال:
"سامر... رغد..."
حل والدي المسألة بطريقة ما وأُطلق سراح وليد رسميا بعد ثلاثة أسابيع أخرى... وكان لا يزال ملازما سرير المستشفى وبحاجة للرعاية الطبية, وكنا أنا ووالدي نتنقل بين البلدتين لعيادته من وقت لآخر... وكنت أقوم بدور المرسال بينه وبين شقيقه.. غير أنه وفور صدور أمر الإفراج عنه أصر على مغادرة المستشفى مخالفا أمر الأطباء... ورافقته بنفسي إلى مكتب الطيران حيث حجز مقعدا على متن أول طائرة تغادر البلدة متجها إلى عائلته...
وليد أخبرنا أنا ووالدي عن مشكلة تورط شقيقه في الشغب... وعن تعرضه للضرب من قبل السلطات... واتضحت لنا الأمور الغامضة... غير أنه حذرنا من تسريب أي معلومات لأي كان أو لأي مكان... وبالأخص للمصنع وموظفيه...
ولذلك فإنني لدى تلقي اتصال من أسامة يسأل فيه عن وليد الغائب فجأة منذ أيام... زعمت أنه اضطر للسفر إلى شقيقته لظروف عائلية خاصة...
للعلم فإن حالة وليد الصحية لا تزال متدهورة ومعظم الأطعمة محظورة عليه...
وهناك شيء أخر سأخبركم به أيضا... وليد طلب من أبي أن يباشر إجراءات التنازل عن الوصاية على ابنة عمه اليتيمة القاصر لصالح شقيقه الوحيد... سامر!

**********

تلقيت مكالمة من المحامي يونس المنذر الذي يعمل مع وليد في المصنع, يسألني فيه عن وليد... ثم أبلغني بأنه مختف منذ أيام!
وأبلغني أيضا... بأن ابنة أخيه والتي تدرس مع رغد في الجامعة أكدت أن رغد عاودت الحضور إلى الجامعة لبضعة أيام ثم اختفت أيضا وفٌقد الاتصال بها... وأنهم حاولوا الاتصال مرارا بوليد عبر هاتفه المحمول وعبر هاتف المنزل وحتى هاتف رغد دون جدوى... وكذلك زاروا منزل وليد أكثر من مرة في أوقات مختلفة وما من أحد...
أشعرني ذلك بقلق شديد وحاولت الاتصال به بنفسي ولم أفلح. كان خالي قد كلمه آخر مرة يوم الخميس... وحسب قول خالي, كان وليد متوترا وقال أنه مشغول وقطع المكالمة فجأة. تفاقم القلق في نفسي كثيرا... وبلغ ذروته حين أخبرني المحامي في اتصال لاحق بأنه لاحظ اختفاء مبالغ كبيرة من رصيد وليد الخاص, ورصيد المصنع, وتغيّر مجرى قلقي ومخاوفي حين علمنا بعد ذلك أنه سافر.
كان أبو فادي صديق وليد هو من أبلغنا بهذا الخبر وأكدته عائلة أم حسام, خالة رغد... قالوا... أنهم علموا أنه سافر مع أخيه وابنة عمه إلى الخارج لأمر طارئ... لكنهم قالوا أنهم يجهلون أي تفاصيل...






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009, 09:18 AM   #105
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

كنت أنتظر من وليد الحضور إليّ من أجل إعادة النظر في مشكلتنا الخاصة والتي هي أكبر وأهم من أن يماطل في حلها... فكيف تتوقعون مني أن أفكر... لدى علمي بأنه قد تركني فيما أنا فيه... وسافر مع عائلته دون أي كلمة؟؟ وكأنني شيء جانبي في حياته أو على الهامش...
تفاقم إحساسي بالغيظ وخيبة الأمل من وليد... وفاق إحساسي السابق بالقلق... فتوقفت عن محاولة الاتصال به... وصممت على ألا أكلمه... حتى أقابله وجها لوجه... المقابلة الحاسمة...

***********

كعادتي كل يوم... أقضي الساعات في الرسم... إذ إنه لاشيء أمامي غيره...
لم أكن أرغب في مجالسة دانة وسامر أو التحدث معهما... لم أرغب في التواصل مع خالتي ونهلة وطمأنتهما على أحوالي... لم أبادر بمهاتفة مرح أو أي زميلة في الجامعة وإعلامها بما حصل معي...
لا شيء يثير اهتمامي... ويشغل تفكيري... غير وليد...
لم أكن أرى غير عينيه... في نظرته الأخيرة لي... عبر زجاج نافذة السيارة... وهو يلوح لي مودعا...
والصورة الأخيرة التي طبعتها في مخيلتي... ترجمتها بفرشاتي فصارت نصب عيني...
كدت قد تعلقت بأمل شبه ميت... بأنه بخير... وسيظهر... هكذا كان سامر وعمي أبو حسام يرددان كلما سألتهما... إلى أن اتصل بسامر أبو فادي, صديق وليد الحميم وأكد أنه مع وليد في تلك البلدة وأن أباه المحامي يعمل جاهدا على حل قضيته. وصار سامر على اتصال يومي به... ينقل إلينا الأخبار أولا بأول... ويطمئننا إلى أن وليد بخير... وسيُطلق سراحه قريبا...
الحمد لله...
الساعة التاسعة والنصف مساء... ولا أزال واقفة أمام لوحتي الجديدة... أدمج ألوانها بحذر... متمنية أن أنجح هذه المرة في تصوير ملامح وقسمات وجه وليد... تماما كما هي في الحقيقة... وتماما كما كانت لحظة أن ودعني ويده تلوح في الهواء...
لحظة فظيعة... فظيعة جدا!
أشعر بتعب... فأنا منهكة في الرسم منذ ساعات... هذا إلى أنني مصابة بالزكام الحاد نتيجة الجو البارد في هذه البلدة... وتداهمني نوبات متكررة من السعال الشديد...
يُطرق الباب, فأجبت بتملل:
"من هناك؟؟"
وأنا أعرف أن الطارق لن يكون غير واحد من اثنين... سامر... و دانة... وهما لم يأتيا ويربكا تركيزي- كعادتهما منذ ساعات...
وعلى أثر التكلم تنتابني نوبة سعال قوية...
"هل تأذنين لي بالدخول؟"
سمعت صوت سامر يتحدث... فوضعت لوح ألواني جانبا باستياء... وتناولت وشاحي واتجهت إلى المرآة وأنا لا أزال أسعل...
هنا سمعت صوت مقبض الباب يُدار وفوجئت به يفتح...
كيف تجرؤ!
التفت إلى الباب بسرعة وأنا أهتف بصوتي المبحوح:
"انتظر سامر"
فإذا بي أرى دانة تطل برأسها من فتحة الباب ثم تتسلل إلى الداخل...
نظرت إليها باستغراب... وأصابني القلق لدى رؤيتي سيلين من الدموع على وجنتيها وتعبيرات متداخلة قوية منقوشة على وجهها... ثم إذا بها تقول:
"الآن...؟؟"
وتلتفت إلى الناحية الأخرى وتقول:
"تفضل"
وتفتح الباب على مصراعيه...
كان موليا ظهره للباب... ثم تنحنح بخشونة... واستدار ليلقي نظرة على داخل الغرفة... وتقع عيناه على عيني... ويتهلل وجهه ويبتسم ويقول:
"صغيرتي!"
لا أصدق...
لا أصدق...
لا أصدق... لا أصدق...
شهقت... رفعت يدي إلى فمي... كتمت سعالي... تراجعت إلى الوراء بخطوات مبعثرة... أهز رأسي... ثم أؤرجح يدي... ثم أترنح على قدمي... ثم أتسمر في موضعي... ثم أطلق زفرة صارخة قوية:
"وليد!!!"

***********

كانت تقف على قدميها الاثنتين... أجل, فالجبيرة قد نُزعت عن رجلها اليسرى... وصارت تمشي بحرية...
لكنني لحظت العرج البسيط في مشيتها من أول خطوات سارتها أمامي... وسمعت بحة قوية في صوتها وهي تناديني...
يا لصغيرتي الحبيبة... يا لرغد...
إنني لا أكاد أصدق... أنني عدت لأراها من جديد...
لقد حسبت... القدر يلعب معي لعبته الجديدة... وأنتهي مرميا في السجن محروما من الحرية... من نور الشمس والهواء... ومن أهلي وأحبابي...
ما سجدت لله شاكرا... لن أستطيع أن أبلغ جزءا من ألف جزء... من واجب الشكر والامتنان للرحمن...
اللهم لك الحمد والشكر... بعدد ما تشاء وما ترضى... إلى ما تشاء وما ترضى...
فيما بعد... جلست على أحد المقاعد... وأحاط بي شقيقي من الجانبين, ووقفت الصغيرة أمامنا... فضممت أخوي إلي بحرارة... مرددا (الحمد لله) وداعيا ربي بأن يحفظ لي أخوي وابنة عمي... ويبقي لي عائلتي سالمة وبعيدة عن كل المخاطر...
المأزق الذي مررت به... محنة سامر هذه... شيّبت شعري وجعلتني أقفز إلى سن الشيخوخة... وأصبح كعجوز على فراش المرض يعد أواخر أيامه... ويلملم أفراد عائلته من حوله... ليودعهم...
ولأنه كان اجتماعي الأول بدانة بعد فراق طويل... منذ ليلة عرسها تلك... فإن مئات المشاعر لمئات الأسباب والأحداث تفجرت ليلتها... وأغرقتها في بحور عميقة لا بداية لها ولا نهاية...
وطبعا لم تكن المناسبة تمر دون أن نذكر والديّ رحمهما الله, ونقلّب المواجع على فقدهما... وقد كانت دانة هي آخر من رآهما قبل وفاتهما... عندما زارتهما هي وعريسها بعد زواجهما مباشرة, وقبل انتقالهما للعيش في هذه البلد...
يا للذكريات...
هدأت عواصف مشاعرنا المختلفة أخيرا... وبدأ الجميع يسألني عن تفاصيل ما حصل معي خلال الأيام الماضية... فأوجزت لهم الأحداث وطمأنتهم إلى سير الأمور على خير... واطمأننت بدوري عليهم وشعرت لأول مرة... بعد عناء طويل وانشغال كبير... براحة البال...
وأنا أرى سامر... ورغد... وكذلك دانة من حولي... لم أكن لأتمنى من هذه الدنيا إلا سلامتهم... شددت على يد سامر ونحن نحدق في بعضنا البعض... وكانت النظرات أبلغ وأفصح من أي كلمات...
الحمد لله...
ولأنني كنت مرهقا من عناء السفر الطويل... ولا أزال في فترة النقاهة... فقد أردت أن أخلد للنوم والراحة... أخذتني دانة إلى إحدى الغرف... في زاوية بعيدة بعض الشيء عن الجناح الذي يقيم فيه سامر ورغد... وتركني الجميع هناك لأستحم ثم آوي إلى الفراش...
بعدما أنهيت استحمامي وفيما أنا أستخرج أدويتي من الحقيبة لأتناولها سمعت طرقا على الباب.
"تفضل"
كانت شقيقتي دانة... تحمل معها بطانيات وألحفة.
"تدثر جيدا... لئلا تصاب بنزلة برد مثل رغد"
قالت وهي تضعها على السرير فابتسمت وقلت:
"شكرا"
"أتحتاج أي شيء؟؟ ألا أجلب لك طعاما؟"
سألت فأجبت:
"كلا شكرا. هل لي ببعض الماء فقط؟؟"
"بالتأكيد"
وهمّت بالانصراف فأضفت:
"ومصحف من فضلك"
فابتسمت وحانت منها التفاتة إلى المنضدة التي وضعت عليها الأدوية ثم نظرت إلي باستنكار وقالت وهي ترفع سبابتها:
"التدخين ممنوع!"
فضحكن ضحكة خفيفة وقلت:
"هذه أدوية معدتي! أقلعت والحمد لله"
وفيما بعد جلست على السرير ملتحفا بالبطانية... أتلو آيات من الذكر الحكيم... وأحمد الله مرارا وتكرارا في سريرتي... وما إن مضت بضع دقائق حتى عاد الطرق على الباب...
"نعم تفضل"
متوقعا أن تكون دانة... غير أنها كانت رغد...
بدا عليها التردد وعي تفتح الباب ببطء وتطل من فتحته... ثم تخطو خطوة أو اثنتين إلى الداخل... بمجرد أن وقعت عيناي على عينيها عرفت أن لديها الكثير لتقوله... لكنّ تعبيرات وجهها اضطربت وقالت:
"اعتذر على الإزعاج... فقط أردت أن... أسألك إن كنت بحاجة إلى شيء"
أنا؟!... أنا محتاج إلى كل شيء يا رغد!
أجبت:
"شكرا صغيرتي... لا شيء للآن"
فشتت أنظارها في أرجاء الغرفة ثم سألت بخجل:
"هل شُفيت إصاباتك؟؟"
تعني ولا شك... الهجوم الوحشي الذي تعرضنا له تلك الليلة... وهي ليلة أشعر بالخجل والعار كلما تذكرتها... غضضت بصري وأجبت محاولا التظاهر بالعفوية والمرح:
"نعم... كما ترين"
ولما رفعت بصري إليها رأيتها تبتسم ثم تقول:
"حسنا... تصبح على خير"
ثم سعلت لبضع ثوان وهي تتراجع للخلف... فقلت:
"سلامتك"
فاتسعت ابتسامتها... وتابعت سيرها إلى الوراء وهي ممسكة بمقبض الباب تغلقه ببطء إلى أن بقيت فتحة صغيرة بالكاد تسمح برؤية نصف وجهها فإذا بي أسمعها تقول:
"أنا سعيدة بعودتك سالما... كدت أموت خوفا عليك... سعيدة جدا"
وتغلق الباب!
في اليوم التالي اجتمعنا أنا وشقيقاي ورغد ونوّار حول مائدة الغداء... وحتى لو لم أشاركهم طعامهم, شاركتهم الدفء العائلي والإحساس بالانتماء... والجو الأسري الرائع الذي كثيرا ما أفتقده...
وفي وقت القيلولة... جلست مع أخي سامر في غرفته أسأله عن تفاصيل ما حصل معه ومع رغد بعد افتراقنا... وأناقش معه الخطط المستقبلية... دار بيننا حديث طويل... كنت من خلاله... أريد أن أستشف وضعه النفسي... وأعرف إلى أي مدى ارتفعت معنوياته واستعاد رباطة جأشه...
وبالطبع, تحاشيت تماما ذكر موضوع المنظمة... بل إنّي قد عاهدت نفسي ألا أكترث لما فعل أخي ولا لكيف فعل, لا حساب ولا عتاب ولا استجواب, إن هو نجا وخرج من المأزق الخطير سالما... وما دام أخي معي الآن... وأراه أمامي بخير... فلا يهمني النبش في الماضي...
"لم تحدق بي؟!"
سأل سامر وقد لاحظ شرودي وأنا انظر إليه... فابتسمت وقلت:
"آسف... كنت أفكر... كيف سنعثر على منزل مناسب لنشتريه..."
فقال:
"في الحقيقة كنت قد استفسرت من نوّار مسبقا... عمه يقيم في هذه البلدة منذ عشرين عاما ويستطيع مساعدتنا في تدبر أمر المنزل"
قلت:
"جيد. إذن سنسعى لذلك من الآن إذ أنه من المحرج مبيتنا هنا"
حتى ولو كانت عائلة نوّار ترحب بنا بشدة...
قال سامر:
"نشتري شقة مناسبة في مكان قريب من هذا المنزل"
قلت:
"أو منزلا مستقلا... صغيرا ويناسب وضعنا الراهن"
قال سامر وهو يركز النظر إليّ:
"إذن... هل... ستستقر هنا؟؟"






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009, 09:19 AM   #106
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

وهو أمر لم أكن أريد التطرق إليه الآن... وأفكاري غير مرتبة... وجسمي منهك... وأعرف أنه موضوع إن فُتح سيجر خلفه مواضيع لا طاقة لنا بها هذه الساعة, لذا تظاهرت بالنعاس وتثاءبت وقلت وأنا أقف:
"سأفكر لاحقا... أشعر بالنعاس... سأقيل قليلا"
وغادرت الغرفة.
ذهبت إلى الغرفة التي خصصتها دانة لي, واضطجعت على السرير... وتدثرت بكل الألحفة والبطانيات المفروشة فوقه, ناشدا الدفء الذي حصلت عليه... في هذا الجو البارد... في هذه البلدة الغريبة... في هذه الغرفة النائية... كان مصدره المحفظة التي تنام تحت وسادتي...
أشلاء صورة رغد...

************

تغمرني سعادة لا توصف... وأنا أواصل دمج الألوان في لوحة وليد الأخيرة... وأتذكر وجوده من حولي... وأطلق زفرات الارتياح...
تناولنا الفطور والغداء معا هذا اليوم... صحيح أن وليد لم يشاركنا الأكل بسبب معدته, لكنه شاركنا الجلوس حول المائدة والأحاديث المختلفة... وعلمت أنه كان راقدا في المستشفى منذ فارقنا وحتى وافانا بسبب نزيف قرحة معدته... وأنه خضع لعملية جراحية لعلاجها وهي حقيقة أخفاها سامر عني طيلة الوقت...
وليد قلبي بدا مريضا بالفعل... شاحب اللون وفاقد الحيوية ومنطفئ البريق الذي كان يشع من عينيه... لكن الأهم أنه معنا الآن... وفي أمان...
عند العصر سمعت صوت دانة تناديني من خلف الباب:
"رغد تعالي لتناول الكعك معنا... نحن في الصالة"
فرددت بسرور ومباشرة:
"قادمة"
وتركت فرشاتي وانطلقت تسبقني سعادتي إلى الصالة, حيث كان أبناء عمي الثلاثة يجلسون... اقتربت منهم واتخذت مجلسي بجوار دانة, واخترت أكبر قطعة من الكعك... وبدأت في تناولها باستمتاع...
دانة ماهرة في صنع الكعك كما تعلمون... أما أنا فماهرة في التهامه!
راقبت وليد خلسة فلاحظت أنه يكتفي بشرب الماء من الكأس الموضوع أمامه, ولا يلمس الكعك...
قلت:
"إنها لذيذة وخفيفة وليد"
فأجاب وهو يبتسم:
"لا شك عندي... لكن معدتي لن تتحمل"
قالت دانة:
"جرب قضمة واحدة صغيرة... هيا وليد... من أجلي"
فكرر وليد اعتذاره وقال:
"إن اشتعلت هذه فلا شيء يطفئها"
وهو يشير إلى معدته, أحسست بالألم والقلق لأجله... وأنا متأكدة أن ما هيّج قرحته وسبب نزيفها هو الضرب الوحشي الذي تلقاه على أيدي وأرجل العساكر الوحوش... تلك الليلة...
تذكر تلك الليلة... جعل يدي ترتجف, وتُوقعُ الشوكة من بين أصابعي...

نظرت على وليد وشعرت وكأنه قرأ الذكريات التي مرت في مخيلتي... فقلت لا شعوريا بصوت هامس:
"الحمد لله... أنك هنا الآن"
وكأن أحدا لم يسمع ما قلت, فسألت دانة:
"عفوا؟؟"
فانحنيت لالتقاط شوكتي وأنا أقول مغيرة الموضوع:
"ما رأيك في المنزل وليد...؟ أليس رائعا؟؟ دانة تتصرف كملكة فيه!"
فنظرت دانة إلي بتباه وقالت مداعبة:
"أنا بالفعل ملكة هنا! كل هذا تحت تصرفي!"
فقال وليد مبتسما:
"هنيئا لك"
فقالت دانة:
"وأنتم كذلك... اطلبوا ما تشاؤون"
فقال سامر بعد أن ابتلع آخر قطعة في فمه:
"لا عدمناك... يكفينا هذا الجناح مؤقتا إلى أن نشتري منزلا أو شقة"
والتفتَ إلى وليد يطلب تأكيد كلامه, فقال الأخير:
"نعم. وسنعمل على ذلك عاجلا"
فقالت دانة مستاءة:
"هراء! تبحثون عن منزل ولدينا كل هذا؟؟"
فرد وليد:
"بارك الله فيكم... ولكن لا بد من منزل مستقل... إن عاجلا أم آجلا"
فقالت دانة مخاطبة إياه بحنق:
"وكأن منزلنا لا يتسع لكم! سآمر الخدم بتنظيف وإعداد كل الغرف التابعة لهذا الجناح وننقل غرفة نومك إلى أي غرفة تختارها يا وليد... سيكون هذا الجناح منزلكم"
فقال وليد:
"أرجوك... لا تتكبدوا العناء... الجناح هكذا يفي بالغرض لحين شراء مسكن مستقل ينتقلان إليه... أنا هنا مؤقتا على كل حال"
الجملة أربكتني وجعلتني أحملق في وليد... ثم أسأله:
"ماذا تعني؟؟"
وتنقلت بأنظاري إلى سامر و دانة, ورأيتهما يحملقان في وليد أيضا...
وليد لم يتكلم لأنه شعر بأن الأعين تتربص به... بل بدا مرتبكا وكأن الجملة قد انفلتت من لسانه دون قصد ولم يستطع استدراكها... أعدت سؤالي:
"ماذا تعني... وليد؟؟"
فإذا به يتأتئ ويمسح على جبينه ثم يرد أخيرا:
"آه... أعني... أنني سأعود إلى الوطن عاجلا..."
شهقت وترددت بأنظاري بين وليد وسامر و دانة ثم قلت وغير مصدقة:
" تمزح وليد... ألست تمزح؟؟!!"
فابتسم بقلة حيلة وقال:
"لا أمزح! أعني أنني... أنا هنا... لأطمئن عليكم ثلاثتكم وها قد اطمأننت ولا بد من العودة"
أخذ التوتر يتفاقم على وجهي ولاحظ الجميع ذلك... ثم قلت والكلمة لا تكاد تخرج من ثغري:
"و... وأنا...؟؟"
فتبادل الجميع النظرات... ثم تسلطت أعيينا على وليد الذي لم ينطق مباشرة... كان مترددا غير أنه في النهاية قال:
"ستبقين هنا يا رغد"
لما لاحظ سامر الهلع يجتاح قسمات وجهي قال مخاطبا وليد ومحاولا تلطيف وقع النبأ:
"لكن... لن تسافر بهذه السرعة... تعني بعد بضعة أسابيع؟..."
فالتفتَ إليه وليد وقال:
"بضعة أيام لا أكثر... تعرفون... لدي زوجة في انتظاري"
عند هذا الحد... وشعرت برغبة مفاجئة في التقيؤ... فوقفت بسرعة وأنا أسد فمي بيدي وهرولت إلى دورة المياه...
عندما خرجت من الحمام –أكرمكم الله- وجدت دانة تقف في الجوار في قلق... وسألتني:
"أأنت بخير؟؟"
ولم أجب.
فأضافت:
"هل كانت الكعكة سيئة أو ماذا؟؟"
التفتُ إليها وقلت:
"ألم تسمعي ما قال؟ يريد العودة إلى الوطن... بعد كل الذي تكبدنا من أجل الفرار... إنه يريد العودة إلى الخطر"
بدا على دانة تفهم مشاعري... ثم قالت:
"لم يقرر... بل يفكر"
قلت بعصبية:
"كيف يفكر في العودة إلى الجحيم؟؟ ألم يكفه ما فعلوا به؟؟ ألا يكفي هذا؟؟"
وذهبت منزعجة إلى غرفتي... و انعزلت فيها لبعض الوقت.

************

"ما كان يجب أن تذكر هذا الآن"
قال سامر يخاطبني بشيء من اللوم... وأنا أدرك أنني فاجأت الجميع بما قلت.. فلم أعلّق. فتابع هو:
"تذكر عودتك العاجلة إلى الوطن... وإلى زوجتك... وأنت بالكاد وصلت البارحة!؟ إنها... كانت قلقة عليك حد المرض"
مشيرا إلى رغد
صمتٌ قليلا ثم قلت:
"ولكن... في الحقيقة هذا ما يجب أن يحصل عاجلا"
نظر إليّ أخي نظرة لم أفهم معناها, أو بالأحرى... لم أرد أن أفهمها... ثم إذا به يقول:
"إذن... إذن... لن تقيم معنا ها هنا؟؟"
وهذا السؤال كان يشغل بال شقيقي منذ الصباح أو ربما منذ زمن... وأعرف ما خلفه...
قلت:
"وأترك زوجتي... وعملي... هناك؟؟!"
أراد سامر قول شيء لكنه تردد... أنا أعرف ما الذي تريد الوصول إليه يا سامر... لكن أرجوك... دعني أسترخي ليوم آخر... ولا تشغل بالي وتشعل النار في داخلي الآن...
أخيرا قال سامر:
"و... والمنزل؟؟ هل سنقيم فيه أنا ورغد بمفردنا؟؟"
وكأنه يستل خنجرا من صدري... آه... كم أتألم...
عضضت على أسناني لأمتص بعض الألم... ثم قلت محاولا الهروب:
"لكل حدث حديث... ننتظر شراء المنزل أولا"
وكانت محاولة فاشلة... إذ إن سامر عاد يسأل:
"وإذا حصلنا على المنزل غدا...؟؟ فهل.."
ولم يتم السؤال...
مسحت على وجهي مضطربا ونظرت يمينا ويسارا باحثا عن مهرب... ثم عدت إلى أخي فرأيته ينظر إليّ باهتمام وقلق... ينتظر ردي...
مددت يدي وربت على كتفيه بعطف... وقلت والدماء تحتقن في وجهي: "لا تستعجل... تريث قليلا... ودعنا نلتقط بعض الأنفاس... أنا مرهق جدا..."
وما كان من أخي إلا أن أومأ تفهما وأغلق الحوار...
وفي المساء... على مائدة العشاء... والتي التففنا حولها نحن الثلاثة, أنا وشقيقي وابنة عمي... تحركت أيدينا بالملاعق, بينما أفواهنا صامتة عن الكلام... كان الوجوم مخيما على وجه رغد... الذي صار كتابا متقلب الحروف والرموز... يشغلني فكُ طلاسمه...
وفيما أنا أتناول حسائي البارد ببطء وأرسل النظرات إليها بين الفينة والأخرى,كانت هي محملقة في طبقها تتحاشى النظر باتجاهي...
أما سامر... فكان يتظاهر بالاهتمام بالمباراة التي تعرض على التلفاز والتي يشارك فيها نوّار...
"الحمد لله"
قالتها رغد ووقفت هامّة بالمغادرة... وأطباقها بالكاد لُمست...
قلت:
"إلى أين؟؟ لم تنهي عشاءك"
قالت دون أن تنظر إلي:
"اكتفيت"
فقلت:
"اجلسي يا رغد... وأتمّي عشاءك"
هنا نظرت إليّ... نظرة حزينة مؤلمة...فيها العتاب واللوم... والرجاء واليأس سوية...
همست:
"رغد..."






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009, 09:23 AM   #107
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

فإذا بها تطلق الكلام الذي كانت تكبته في صدرها منذ ساعات دفعة واحدة:
"كيف تفكر في العودة للخطر يا وليد؟؟ نحن ما كدنا نصدق أننا نجونا... ما كدنا نطمئن على سلامة بعضنا البعض... أتريد أن تعرض نفسك للهلاك من جديد؟؟"
ولم تعطني فرصة للإجابة بل قالت بصوت شديد الرجاء:
"أرجوك وليد... لا تذهب... أرجوك"
تأوهت وقلت:
"لا بد لي من الذهاب يا رغد... لا بد"
ورأيتها تعض على شفتها السفلى ثم تقول:
"يمكنك إحضارها إلى هنا... ونستقر عن الخطر والحرب"
تعني أروى...
قلت:
"صعب جدا... أروى لن يعجبها ذلك... ثم إن المنزل والمزرعة والمصنع... وكل شيء هناك..."
فأومأت برأسها اعتراضا فأضفت:
"إنهم لا يلاحقونني أنا... لا تخشي علي... صغيرتي"
فانفجرت قائلة:
"كيف لا أخشى عليك؟؟ لقد رأيت ما فعلوه بك بأم عينيّ... هل تريد أن تيتمني للمرة الثالثة بعد؟؟ أنت لا تعمل حسابا لي"
وانصرفت مسرعة إلى غرفتها...
انتظرت لحظة... في حيرة من أمري... ثم وقفت وقلت مخاطبا أخي:
"سأتحدث معها"
ولم يبد أخي أي ردة فعل...
لحقتُ بالصغيرة وحصلت على إذنها بدخول الغرفة... وما إن دخلت حتى وقعت عيناي على مجموعة من اللوحات إلى جانب بعضها البعض... عند الجدار المقابل للباب... صورة لوالدي وأخرى لوالدتي رحمهما الله... وصورة لي أنا... وأنا رافعٌ يدي... موضوعة على عمود الرسم...
لدى رؤية صورتي والديّ لم أتمالك نفسي... وسرتُ باتجاهها وحملقت فيهما وانتابني الأسى والمرارة...
خاطبتهما سرا... ألا تخرجان من اللوحتين... وتريان ما نحن فيه... وتحلان مشكلتنا؟؟ أنا وشقيقي نحب فتاة واحدة تعني لكلينا كل شيء وعلى أحدنا أن يُميت قلبه ليُحيي الآخر... أنا يا أمي ويا أبي... أفضّل اللحاق بكما على أن يمس شقيقي أي أذى... سامحاني لأنني كنت أنانيا جدا... لم أتفهم مشاعره ولم أقدّرها... حسبت أن رغد شيء يخصني أنا وأنه هو من سرقها مني...
والتفتُ نحو رغد والتي كانت مطأطئة بصرها بحزن نحو الأرض.. فخاطبتها في سري بلهفة... ألست شيئا يخصني أنا يا رغد؟؟ ألست فتاتي أنا؟؟ ألست لي؟؟ ألن تكوني لي؟؟ ألا يجب أن تكوني لي أنا؟؟
ربما أحست رغد بنظراتي المسلطة عليها أو استبطأت كلامي... أو حتى سمعت خطابي السري في نفسي... فإذا بها تلتفتُ إلي وترمقني بنظرة أرسلتني إلى عالم التيه والضياع...
ثم إذا بتعبيرات الرجاء الشديد بل التوسل تزحف إلى قسمات وجهها الحزين وتخرج من لسانها بقول:
"أرجوك وليد.. تخلّ عن الفكرة.. ودعنا نعيش هنا معا بسلام.. أنا تعبتُ من الحرب والتشرد واليتم والضياع والصراع.. ألا تفعل هذا من أجلي؟؟"
تفطر قلبي لكلامها ونزف كثيرا... إنك تطلبين المستحيل يا رغد...
اقتربت منها وقلت مغدقا عطفي وحناني ومتحججا بمسؤولياتي:
"يا رغد... يا صغيرتي العزيزة... ومن يتولى الأمور هناك في الوطن؟؟ لديّ مسؤوليات جدية وكبيرة في انتظاري"
فقالت:
"وأنا؟ ألست جزءا جديا من مسؤوليتك أنت؟؟ كيف تتركني وحدي وتذهب عني؟؟"
قلت:
"كيف تقولين وحدك؟؟ أتركك مع دانة وسامر"
فأجابت منفعلة:
"لكنك أنت الوصي علي... المسؤول عني شرعيا... ويفترض أن تبقيني معك وتبقى معي... أليس كذلك؟ أليس هذا من واجبك؟"
لم أجب مباشرة... ثم قلت:
"بلى... و... كذلك... أنا المسؤول عن أروى... ومن واجبي العودة إليها"
وكنت أتوقع أن يزعجها ذكر أروى... بل كنت أتعمد أن أذكرها حتى أستفيق أنا من حالة التيه في بحر رغد, وأعود إلى الواقع وأقطع الحبال المتشدقة بسفينة رغد... نعم كنت أتوقع أن تنزعج رغد من ذكر أروى –كعادتها- لكنني لم أتوقع أن تأتي ردة فعلها بهذا الشكل...
صرخت منفعلة منفلتة:
"إذن عُد إليها... هيا عُد... لا شك أنك متلهف لعينيها الزرقاوين وشعرها الحريري الأشقر... من يتنازل عن الحسناء الثرية؟؟ هنيئا لك بمن اخترت.. اذهب!"
وأشاحت بوجهها عني... وعندما ناديتها هتفت زاجرة:
"اذهب الآن"
وما كان مني إلا أن غادرت الغرفة.
عندما عدت إلى حيث كنا نتناول العشاء قبل قليل... لم أجد أخي هناك... بحثت عنه في غرفته وفي الجوار ولم أجده... ووجدت هاتفه موضوعا على سريره... سألت عنه دانة فأخبرتني أنها لم تره مذ كنا نتناول الكعك عصرا...
قضيت الساعتين التاليتين واقفا على أطراف أعصابي المشدودة... حتى إذا ما ظهر أخيرا... قادما من الخارج... قدمتُ نحوه وبادرت بالسؤال:
"إلى أين ذهبت؟؟"
ظهر الانزعاج من السؤال على وجه أخي وقال:
"عفوا؟؟"
فتراجعت وقلت مخففا سؤالي:
"أعني... في هذا الطقس البارد؟؟"
فرد سامر:
"تمشيت في الجوار..."
وبعد برهة صامتة قلت وأنا أهم بالانصراف:
"سأخلد للنوم"
استوقفني سامر بسؤاله:
"ماذا أحرزت مع رغد؟"
فشددت على قبضتي... ثم قلت:
"لا شيء..."
وتابعت:
"لا تقدر مسؤولياتي الأخرى... تتوقع مني أن... أتفرغ لرعايتها"
رأيت ابتسامة شبه ساخرة على زاوية فمه اليمنى... ثم حل الجد مكانها وإذا بأخي يقول:
"إنها... متعلقة بك"
تدفقت الدماء إلى وجهي... ورأيت أخي ينظر إلى عينيّ ينتظر تعليقا... فأبعد نظري عنه, ثم قلت:
"... أعرف..."
فقال:
"إذن..؟؟"
فالتفت إليه وقرأت في عينيه جدية واهتماما بالغين... ولم أعرف بم أقابلهما... فقال أخي وقد اصطبغ صوته بالانزعاج:
"لم لا ترد؟ لقد جئت بي من آخر العالم إلى هنا ووضعتها نصب عيني... أعدتني إلى ما كنت على وشك الخلاص منه... وها أنت تريد أن ترحل وتتركني في نفس الدوامة... فهلا حللت قضيتي مع رغد أولا؟؟"
تضاعف ضخ الدماء الحارة إلى وجهي... واشتعلت النار التي لا تكاد تهدأ في معدتي... وبدأ العرق يتصبب مني رغم برودة الجو...
قلت أخيرا:
"صبرا يا سامر... أعطنا فترة نقاهة مما حصل مؤخرا... رويدك"
ورأيت أخي يمد سبابته اليمنى نحو وجهي ويضيّق عينيه ويضغط على أسنانه وهو يقول مهددا:
"لا تتلاعب بي يا وليد"
فأفلتت أعصابي من سيطرتي وقلت حانقا:
"وماذا تريد مني أن أفعل الآن؟؟ أرغم الفتاة على العودة إليك؟؟ أليس لديك اعتبارا لمشاعرها هي وإرادتها ورغبتها هي؟؟"
فرد مباشرة:
"أنا أكثر منك معرفة... بمشاعرها هي.. وإرادتها هي.. ورغبتها هي.. وأنت.. أنت.. يجب عليك أن تتدخل لوضع حد لهذا.. يجب أن تُفهمها ما لا تريد هي أن تفهمه.. يجب أن تجعلها تستيقظ من أحلامها المستحيلة التي لا تسبب لها إلا الأذى وتتوقف عن هدر مشاعرها على الشخص الخطأ"
فوجئت بكلام أخي للحد الذي لزمني زمن طويل حتى أستفيق من طور المفاجأة... ولما استفقت, كان أخي قد انصرف...
ذهبت إلى غرفتي... وجلست على سريري... واستخرجت قصاصات صورة رغد من محفظتي المخبأة تحت الوسادة... وجمعتها... ونظرت إلى وجه رغد... وتأوهت...
هل آن الأوان... لأن ينتهي كل شيء يا رغد؟؟؟
هل يعقل... أنني سأضطر للتخلي عنك... بعد كل هذا؟؟
إنه يساومني على حياته يا رغد... هل سأضحي بك من أجله؟؟ هل سأفعل ذلك يا رغد؟؟ هل سأجرؤ؟؟
هل أنا أستطيع ذلك؟؟
وضممت الصورة إلى صدري وعصرتها بقبضتي وهتفت...:
"لا أستطيع... لا أستطيع..."



*********







التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009, 09:25 AM   #108
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

الجزء الأخير ..



النظرة الأخيرة




تركني وليد في حالة يرثى لها بعد خبر عزمه العودة إلى الوطن... إلى حيث الحرب والاعتداء والخوف والهلاك... إلى حيث الشقراء.. تنتظره... أنا يا وليد مستعدة للقبول بأي شيء مهما كان مقابل أن تبقيني إلى جانبك وتحت رعايتك أنت...
وفيما أنا غارقة في أفكاري جاءتني دانة تتفقدني..
"كيف أنت؟ يقولون أنك مضربة عن الطعام!"
وكل ما حصل هو أنني لم أتم عشائي البارحة ولم أتناول فطوري هذا الصباح.
قلت:
"من يقول ذلك؟"
أجابت:
"وليد! فهو قلق من أن يداهمك الإغماء بسبب الجوع! وأرسلني لتفقدك"
دغدغتني العبارة, لإحساسي بأن وليد يهتم بي...
قلت:
"أين هو الآن؟"
أجابت:
"خرج مع نوّار قبل قليل... ذاهبين إلى مكتب الطيران"
فوجئت بالجملة وشهقت وقلت:
"تعنين لشراء تذكرة السفر؟؟"
فأومأت بنعم, فجُنّ جنوني وصرّحتُ منفعلة:
"لن يغير موقفه... إذن سأذهب معه.."
والتفت نحو الهاتف وأتممت:
"سأتصل به وأطلب منه شراء تذكرة لي أنا أيضا"
وخطوت خطوتين نحو الهاتف حين استوقفتني دانة مادة يدها وممسكة بذراعي...
التفتُ إليها فوجدت الجد والحزم ينبعان من عينيها, ثم قالت:
"انتظري يا رغد... هل تظنين بأنه سيأخذك معه حقا؟"
اكفهرت ملامح وجهي وقلت مصرة:
"طبعا سيأخذني معه... أليس الوصي علي؟ ألست تحت عهدته؟"
فقالت بنبرة جادة:
"لقد... تنازل عن الوصاية لسامر"
حملقت فيها غير مستوعبة الجملة الأخيرة... فسألت:
"عفوا... ماذا قلت؟؟"
فقالت:
"كما سمعت... رغد"
فررت برأسي يُمنة ويسرة... كأنني أنفضه مما توهمت أذناي سماعه.. ثم هتفت:
"تكذبين!"
فنظرت إلي دانة متأثرة بتعبيرات الذهول الطارئة على وجهي ومن ثم تحولت جديتها إلى شفقة وأسى... وقالت:
"أخبرني بذلك بنفسه قبل قليل... قال أنه وكّل المحامي أبا سيف لإنجاز الإجراءات الرسمية أثناء مكوثه في المستشفى خلال الفترة الماضية"
رفعت يدي إلى صدري محاولة السيطرة على الطوفان الهمجي المتدفق من قلبي أثر الصدمة... وهززت رأسي غير مصدقة أن وليد قد فعلها... مستحيل... مستحيل..
"مستحيل"
أطلقت الصيحة وتابعت خطاي نحو الهاتف أريد الاتصال به والتأكد من الخبر على لسانه, غير أن دانة سحبت سماعة الهاتف من يدي وأجبرتني على النظر إليها والسماع إلى ما أرادت قوله..
"رغد! ماذا ستفعلين؟ هل ستطلبين منه إعادتك إلى كفالته؟ لا تعصبي الأمور يا رغد ودعيه يتصرف التصرف السليم والأنسب لظروفنا"
فهتفت منفعلة:
"الأنسب لظروف من؟ أنا لا ذنب لي في أن سامر يهدده الخطر إن عاد إلى الوطن. لا أريد البقاء هنا.. أريد العودة مع وليد والبقاء معه"
فسألت دانة منفعلة:
"إلى متى؟؟"
فقلت:
"إلى الأبد"
فإذا بدانة تمسك بيدي وتشد عليها وتقول:
"وليد لا يريدك أن تذهبي معه.. لم لا تفهمين ذلك؟ سيعود إلى خطيبته وربما يتزوجان قريبا.. لقد أعادك إلى سامر لتبقي مع سامر.. إنه أكثر شخص يحتاجك ويحبك يا رغد... إنه يمر بأزمة حرجة... لماذا لا تفكرين به؟"
سحبت يدي من بين أصابعها وابتعدت عنها وأنا أهتف بانهيار:
"أنا لا أريد العودة إلى سامر... لا تفعلوا هذا بي... لا تعيدوا الكرة... سأذهب مع وليد..."

************

كان لابد من حسم الأمور وبشكل نهائي حتى يحدد كل منا موقعه. كنت أفكر في الطريقة التي سأخاطب بها وليد هذا اليوم... وأطلب منه وضع النقط على الحروف وختم الصفحة.
كان الوقت ضحى وكنت جالسا في غرفتي أهيئ نفسي للمواجهة المرتقبة فأتتني شقيقتي دانة.
"صباح الخير سامر! ألم تنهض بعد؟؟"
"صباح الخير"
"تأخرت! رفعت أطباق الفطور"
سألتُ مباشرة:
"هل استيقظ وليد؟"
أجابت:
"نعم... وهو مع نوّار في مكتب الطيران الآن"
اضطربت تعبيرات وجهي وشردت بعيدا... ولما لاحظت دانة سألتني عما ألمّ بي, فما كان مني إلا أن أطلعتها على ما يدور في رأسي منذ الأمس... منذ أن أعلن وليد عن عزمه على العودة إلى الوطن... أخبرتها وبكل صراحة بأنني في حال رحيل أخي فسوف لن أتمكن من العيش مع رغد في مكان واحد وتولّي المسؤولية عليها, إلا إذا عاد رباطنا الزوجي الشرعي إلى سابق عهده... وإلا... فإن عليه اصطحابها معه وتخليصي من هذه الدوامة الفارغة. كنت صريحا جدا فقد اكتفيت من الهراء... ولن أستمر في لعب هذا الدور الأحمق...
"فإما أن يأخذها معه للأبد... أو يتركها معي وللأبد"
قلت ذلك منفعلا... ثم نظرت إلى دانة فرأيت على وجهها الأسى والقلق.. وكأنها تفكر في أمر ما..
"ما الأمر؟"
سألتها قلقا, فأجابت:
"آه... لقد... كنت مع رغد قبل قليل"
ففهمت أن لديها ما تقوله... فقلت:
"ماذا قالت؟؟"
فأجابت مترددة:
"تركتها تعد حقيبتها... مصرة على العودة إلى الوطن... مع وليد"
عن نفسي كنت أتوقع هذا... لم يفاجئني موقف رغد... لكنني أريد أن أحسم الوضع نهائيا مع وليد...
"إذن... سأطلب من وليد شراء تذكرة لها وأخذها معه, وننتهي"
وضربت الحائط من غيظي... وصحت:
"إنها لا تريده إلا هو... فليأخذها معه ويريحنا... أنا تعبت من هذا..."
كنت مجروحا من إصرار رغد على موقفها... ولا مبالاتها بي...
قالت دانة:
"لا تنفعل... دعه يعود... وسأتحدث أنا معه أنا أولا... لقد نقل الوصاية إليك كما أخبرني.. لن يأخذها معه.. سيقنعها بالبقاء معنا"
فقلت:
"وما الجدوى إن كانت ستبقى معنا وبالها معلق معه؟ ألم تري حالتها قبل حضوره؟ لا أريد أن يوليني المسؤولية على فتاة شبه حية... فليأخذها وليخلصني من هذا العذاب"
مدت دانة يدها وربتت على كتفي وقالت:
"هون عليك يا أخي"
فقلت منفعلا:
"أنا تعبت.. لقد كنت على وشك وضع نهاية لكل هذا.. هو من اعترض طريقي وجلبني إلى هنا.. هل سيتحمل هو عذاباتي؟"
صمتنا برهة.. ثم إذا بدانة تسأل:
"هل.. يعرف هو أنها..."
فأجبت مقاطعا:
"طبعا يعرف... وعليه هو أن يواجهها بحزم ويوقظها مما هي فيه.. إلى متى سيتركها تتعلق به وتجري متخبطة خلفه.. بينما هو متزوج ومشغول بزوجته؟"
قالت دانة متسائلة:
"هل... يحبها؟؟"
فاستغربت السؤال الدخيل وقلت:
"وما أدراني..؟!.. المهم أنه متزوج ومشغول بزوجته.. وليس شاغرا من أجل مشاعر رغد.."
قالت دانة موضحة:
"أعني... ماذا عن مشاعره هو؟؟"
فنظرت إليها باستغراب... وقلت مستفهما:
"مشاعره هو؟؟"
ورأيت نظرة ارتياب غريبة على عينيها أوحت إلي بأنها تلمح إلى شيء... فسألتها:
"ماذا تعنين بمشاعره هو؟؟"
فقالت مترددة:
"أعني... بما يشعر هو... نحو رغد"
فحملقت فيها تجتاحني الحيرة والدهشة... وقابلتني بنظرة جدية وكأنها تعتزم قول شيء مهم... وأخيرا قالت:
"سامر... سأخبرك بما قالته لي أمي رحمها الله... عندما زرتها بعد ليلة زفافي..."
أثار كلامها اهتمامي الشديد وسألتها بفضول:
"ماذا... قالت...؟؟"
فأجابت بنبرة جدية جعلتني أصغي بكل اهتمام وتركيز:
"عندما أخبرتها... عن قرار رغد المفاجئ بالانفصال عنك... وعن حالتها المتقلبة الغريبة تلك... بعيد سفر والديّ للحج... وعن بعض التفاصيل التي حصلت... قالت أن ذلك ما كانت تخشاه... وأنها... كانت قد لاحظت تغيّرات على رغد... بعد عودة وليد"
صمتت أختي لترى مدى تأثير الكلام علي حتى الآن... فحثثتها على المتابعة بلهفة:
"وبعد؟؟"
فتابعت:
"أنا بالفعل... لاحظت عليها تغيرات مزاجية كثيرة في تلك الفترة... لكنني لم أتوقع للحظة أن يكون السبب... هو وليد"
نعم وليد! وليد الذي ظهر فجأة... واستحوذ على قلب رغد... وأبعدها عني...
واسترسلت:
"كما لم أكن أبدا لأتوقع... أن..."
وصمتت مترددة وكأنها تخشى قول الجملة التالية. شجعتها وقلت:
"ماذا؟؟ أكملي؟؟"
قالت:
"لما أخبرتها عن ارتباط وليد المفاجئ بالفتاة بالمزرعة... حزنت وتألمت كثيرا... وأخبرتني أن وليد... كان أيضا يحب رغد كثيرا في صغره... كلنا نعرف ذلك... لكن... ما لم نكن نعرفه... هو أنه... حسب كلامها وحسبما تيقنت هي منه... أنه... حتى بعد عودته من السفر.. أعني من السجن.. كان لا يزال يحبها.. ويحلم بها.. وقد صُدم بزواجكما..."
حملقت في دانة بذهول... غير قادر على استيعاب ما تقول... بقيت مطرقا رأسي مذهول العقل منفغر الفاه... ثم نطقت مندهشا:
"مـــ... مـــ... ماذا تقولين؟؟!!"
فأجابت والمزيد من القلق يظهر على وجهها:
"ربما لم يكن يجدر بي قول هذا ولكن.."






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009, 09:31 AM   #109
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

ولم تتم...
فنظرت إليها بتشتت... واتسعت حدقتاي بدهشة بالغة... وقفزت إلى ذاكرتي فجأة كلمات أم حسام لي ذلك اليوم...
فإذا بلساني ينطق دون وعي مني:
"هذا... مـــ.... مستحيل!"
وإذا بدانة تقول:
"هذا ما قالته أمي... إنه كان لا يزال يحبها... وأنها وجدت صورة قديمة لرغد عنده ذات مرة"

************

كنت في الصباح.. قد ذهبت مع نوّار إلى مكتب الطيران واشتريت تذكرة سفر وأكدت رحلتي... والتي ستكون مباشرة إلى شمال الوطن.
حاولت الاتصال بالمزرعة وبهاتف أروى دون جدوى. لكنني اتصلت بالسيد أسامة واعتذرت له عن اختفائي المفاجئ وذكرت له أنني سأعود قريبا. كما اتصلت بسيف وطمأنته على أخباري...
وبعد عودتي للمنزل وفيما أنا أعبر الممر المؤدي إلى غرفة نومي رأيت سامر يقف في منتصف الطريق...
كان جليا عليه أنه واقف ينتظرني لأمر مهم... وأنا أعرف ما هو الأمر...
"مرحبا سامر... متى استيقظت؟؟"
سألته بمرونة فرد باقتضاب مباشرة:
"أريد أن أتحدث معك"
كان يبدو منفعلا... التوتر يخط تجاعيد متشابكة على قسمات وجهه...
قلت وأنا أسبقه إلى الغرفة وأفتح الباب:
"تفضل"
دخلنا الغرفة وتركنا الباب مفتوحا... دعوت أخي للجلوس لكنه وقف قرب الباب مستعجلا على الحديث فوقفت أمامه وسألت:
"خير؟؟"
نظر إلي سامر بنظر تمزج الحزن واللهفة... والغضب والقهر... ثم قال:
"وليد... سأسلك سؤالا... وأرجوك... أرجوك... أن تجيب عليه بمنتى الصراحة"
نبرته أصابتني بالقلق... فقلت:
"ماذا هناك؟؟"
فركز سامر نظرة إلي وقال:
"أجبني بكل صراحة يا وليد"
فقلت وقد تضخم قلقي من جدية نظرته:
"اسأل؟؟ لقد أقلقتني"
فإذا بسامر يزم شفتيه ثم ينبس قائلا:
"كيف تشعر... نحو رغد؟؟"
فاجأني السؤال... أذهلني... عصف بقدرتي على الاستيعاب... أو ربما لم أسمع جيدا... ماذا سأل أخي؟؟
قلت:
"عفوا؟؟"
فقال أخي وقد زاد توتره واحتدت نبرته:
"أقول كيف تشعر نحو رغد؟؟"
وكان يحملق بي بشدة راصدا كل انفعالات وجهي وتغيرات لونه... تكاد نظراته تسلخ جلدي لتقرأ ما هو أعمق منه... وفجأة إذا به يقول:
"أحقا... كنت... تحبها؟؟"
ولم أشعر إلا بالدماء تفور في وجهي فجأة... وتصبغه بلون شديد الاحمرار... حتى أنني خشيت أن تتصبب قطرات الدم من جبيني مصحوبة بزخات العرق...
لساني ألجمته المفاجأة... وعيناي قيدتهما عينا أخي وهما تتربصان بردي... كان أخي يكاد يلتهمني بنظراته ورأيته يعضض على شفته السفلى توترا... ويكاد يصرخ منفعلا...
عصرت لساني حتى خرجت الكلمات التالية منه عنوة:
"ما... ماذا تعني يا سامر! ما هذا السؤال؟؟"
وما كان من أخي إلا أن ركل الباب الذي نقف قربه بعنف وكرر سؤاله بعصبية:
"فهمتني يا وليد... وسؤالي واضح جدا... قل لي هل فعلا كنت تحب رغد؟؟ هل أنت تحبها الآن؟؟ أخبرني قبل أن أجن.."
وللحالة الرهيبة التي اعترت أخي... خشيت أن يحصل أي شيء... فقلت محاولا كبت مشاعري والتظاهر بالمرح:
"نعم أحبها!"
فرمقني أخي بنظرة حادة قاطعتها بقولي:
"أحبها مثل ابنتي تماما! أنا من تولى تربيتها مع والدينا"
محاولا أن يظهر ردي مرحا ومقنعا قدر الإمكان... أخي... نظر إلي بارتياب... ثم قال:
"هل هذا كل شيء؟؟ أجبني بصراحة"
فتظاهرت بالابتسام وقلت:
"طبعا هذا كل شيء!! سامر.. ما بالك تطرح سؤالا مضحكا كهذا!؟"
فأخذ يحدق بي... ثم يشتت أنظاره حولي... ثم يقول:
"لكن... دانة تقول... أن أمي أخبرتها قبل وفاتها... أنك... كنت تحب رغد منذ الصغر.. وتتمنى الزواج بها"
فكرت بسرعة... بسرعة... في تعبير يطمس الحقيقة في الحال... ولم أجد إلا الضحك... أخفي خلفه الألم المرير...
أطلقت ضحكة قوية... بل كانت قهقهة مجلجلة... ربما وصلت إلى أعماق الذكريات النائمة في قلبي وأيقظتها...
ضحكت وأنا أواري الدموع خلف طبقات من المشاعر الزائفة...
ولما انتهيت من نوبة الضحك المفتعلة قلت بسخرية مفتعلة:
"أضحكتني يا سامر! ماذا دهاك!؟ أنا أفكر في رغد هكذا!؟ هل سمعت عن أب يتمنى الزواج من ابنته!! أي سخافة هذه!!"
وقهقهت من جديد... لأنفض عن أخي أي غبار متبقٍ من الحقيقة... حتى أنني من شدة ضحكي بللت رموشي...
نظرت إلى أخي مفتعلا المرح... فرأيت الارتياب يتسرب خارجا من عينيه ويتسلل الارتياح إليهما... يبدو أنني أديت دوري بمهارة... وأقنعته بما قلت... أحسنت يا وليد!
كيف أطاعك لسانك على ذلك!؟!؟!
نظر أخي إلى الأرض, ثم إلي... وقال:
"هل هذه هي الحقيقة البحتة؟؟"
فقلت مباشرة مؤكدا:
"بربك يا سامر! لقد ساهمت في تربيتها وتربية دانة... ألا تذكر؟؟ كلاهما مثل ابنتيّ تماما"
ظهرت الحيرة والتردد على وجه أخي... ثم قال مستسلما:
"آسف... دانة أربكتني"
وسكت برهة ثم أضاف:
"أنا أيضا بدا كلامها لي غير معقول... لا بد وأنه كان سوء فهم"
وعاد يكرر:
"آسف وليد"
فابتسمت وقلت:
"لا عليك"
لا عليك! فأنا معتاد على تلقي طعنات من شتى الأنواع والمصادر... إلى قلبي... أصبحت لديه مناعة ضد الخناجر... لا عليك!
صمتنا قليلا ثم إذا به يقول:
"الآن... يجب أن تتحدث إليها بشكل حاسم... وتُفهمها بأنك تحبها وتقدم لها الرعاية والنصيحة كأب... وأن تقنعها بأن بقاءها هنا... معي ومع دانة... هو خير لها من العودة معك.. فهي تحزم أمتعتها للحاق بك"
شددت على قبضتي... وقلت:
"أحقا؟؟ ومن قال لها أنني سآخذها معي أصلا؟؟"
فقال أخي:
"هي تفكر هكذا... تريد أن تلحق بك أينما ذهبت"
ابتلعت المرارة في حلقي وقلت:
"أنا لم أعد وصيا عليها.. إنها تحت مسؤوليتك أنت الآن"
فقال راجيا:
"أرجوك.. أفهما هذا.. أخبرها بأن تتوقف عن عنادها وصدها لي.. إنها ليست بحاجة لمن يؤكد لها مقدار حبي لها.. أنا سأضعها في عينيّ.. قل لها ذلك يا وليد أرجوك"
كنت أشد على قبضتي.. أكاد أقطع أوتار يدي بأظافري لشدة ما ضغطت...
حاضر يا سامر.. سأفعل ما تطلبه.. أرجوك أنت... يكفي هذا... انصرف الآن...
قلت بصوت لم يخرج من حنجرتي:
"حاضر... سأفعل..."
ثم جذبت نفسا طويلا أجدد به الهواء المخنوق في صدري وأضفت بنبرة راجية:
"سأتحدث معها.. لكن... سامر.. أرجوك أنت... دعها تأخذ وقتها مهما طال.. في التأقلم مع الوضع الجديد.. لا تستعجلها ولا تلح عليها.. خصوصا الآن.."
فنظر سامر إلي نظرة عميقة وأومأ بالموفقة...
خرجت بعدها من غرفتي راغبا في الابتعاد عن أنظار وكلام سامر متظاهرا بعزمي الذهاب إلى رغد والتحدث معها... بينما كنت في الحقيقة أفتش عن صحراء شاسعة أطلق فيها صرخاتي أو جبال شامخة أدكها بقبضتي... وللمفاجأة... لأسخف مفاجأة في أسوأ توقيت... رأيتها هي رغد ذاتها... تقف في الخارج على مقربة...
"رغد!!.."
رمقتني بنظرة مخيفة... ورأيت وجهها يكفهر ويصفر... ورأسها يفتر يمينا وشمالا... ثم إذا بها تولي هاربة إلى الجناح الآخر....

***********

كنت ذاهبة لأتحدث معه وأطلب منه بل أتوسل إليه... أن يصطحبني معه إلى الوطن... كنت سأبوح له بمشاعري... ورغبتي في البقاء معه هو... أينما كان.. لم أكن لآبه بالشقراء... لن يهمني وجودها ما دمت مع وليد... لن أكترث للخطر... لن أكترث للحرب... لن أكترث للرعب... كنت مستعدة للتنازل عن أي شيء... والرضا بأي شيء... وفعل أي شيء... مقابل أن أظل برفقة وليد... أنعم برعايته وأحظى برؤيته... وأستسقي من فيض حنانه وعطفه اللذين لطالما غمرني بهما منذ الطفولة...
ولما اقتربت من غرفته... سمعته يتحدث ويضحك... كان الباب مفتوحا... وكان في الداخل يتكلم مع شخص ما... توقفت وهممت بالانصراف... فإذا بي أسمع صوته يقول:
("أضحكتني يا سامر! ماذا دهاك!؟ أنا أفكر في رغد هكذا!؟ هل سمعت عن أب يتمنى الزواج من ابنته!! أي سخافة هذه!!")
كان يسخر من مشاعري... ويستخف بحبي...
سمعته يضحك... ويذكر اسمي... ويقول بأنني كابنته تماما...
وليد قلبي... يسخر مني...!
بعد كل ذلك الحب الكبير... المشاعر الصادقة الخالصة.. التي أكننتها له كل ذلك الوقت.. بعد كل أحلامي وآمالي المتعلقة به هو.. هو وهو فقط... ألقاع يضحك ساخرا مني!
أنا يا وليد تفعل هذا بي...؟؟؟
أحسست بإهانة كبيرة... وحرج شديد غائر... وخذلان هائل... من أقرب وأحب الناس إلي...
جرحني ما سمعت الجرح الأكبر والأعمق والأشد عنفا وإيلاما في حياتي...
لم أستطع بعد سماع ذلك مقاومة فضولي... وبقيت أنصت إلى ضحكات وليد قلبي... الساخرة مني... وقلبي ينصفع... ويتزلزل... وينهار... والدهشة تسلبني المقدرة على الانسحاب...
كم كنت ملهوفة عليه... لكن... بعد موقفه الساخر مني... وبعد تنازله عني بهذه البساطة وكأنني قطعة أثاث بالية... لم أعد أرغب في رؤية وجهه... وسوف لن أتحدث معه ثانية... ولن أسمح له بالدخول مهما طرق...
لن أذهب معه... لن أودعه... لن أكترث به... ولن أفكر فيه بعد الآن...
لن أسامحك يا وليد... أبدا... أبدا...






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس
قديم 06-08-2009, 09:32 AM   #110
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

أخيرا توقف الطرق... انصرف وليد... ولم أعد أشعر بوجوده خلف الباب... أشحت بوجهي إلى الناحية الأخرى...
لمحت اللوحة التي قضيت الساعات الطويلة... في الأيام الماضية... أُودِعُها كل طاقاتي ومواهبي لأرسمها مطابقة للواقع... لوجه وليد... حبيبي وليد... وهو ينظر إلي ويلوح بيده...
لم أطق رؤيتها والنظر إلى عينيه... ضحكاته لا تزال ترن في رأسي... قمت إلى اللوحة... ولطختها باللون الأسود... حتى جعلتها قطعة من الليل الذي لا ينتهي... وأوقعتها أرضا...
وبعثرت كل اللوحات التي رسمتها لوليد ولأبي ولأمي... ورميت بالصور الفوتوغرافية بعيدا وصفعت لوح الألوان بالجدار... ثم ارتميت على سريري أخلط بكائي بسعالي... وأنفاسي بآهاتي... وكلماتي بصرخاتي...
أنا... من اليوم فصاعدا...
"أكرهك يا وليد!"

**********

لما يئست من فتحها الباب, ابتعدت عن غرفة رغد وفتشت عن دانة. وصلت إليها عبر الهاتف المحمول, كانت في جناحها الخاص فطلبت أن نتقابل بمنأى عن الآخرين فدعتني إلى غرفة خاصة في جناحها.
كنت مشوشا إثر ما قاله أخي أولا... ثم هروب رغد مني وتلك النظرة القاتلة التي رمتني بها ثانيا...
أحسّت شقيقتي باضطرابي فسألتني مباشرة:
"هل تحدث سامر معك؟"
مما جعلني أيقن أنها تدرك ما جئت لأجله, فاختصرتُ الطريق وقلت مباشرة:
"ما ذلك الجنون الذي قلته لسامر يا دانة؟؟"
دانة نظرت إلي مطولا ولم تبادر بالإجابة.. لكنها فهمت ما أعنيه, فقلت بصوت جاد:
"اسمعيني يا دانة... ما كان يجدر بك نقل كلام كهذا إلى سامر... إنه يمر بظروف نفسية صعبة... أنت لا تعرفين شيئا عن الصعوبات التي واجهتها من أجل ترحيله عن الوطن... ليست لديك أدنى فكرة عن الأمور الفظيعة التي اضطررت للقيام بها كي أنقذه"
أخذت دانة تصغي إلي بجل الاهتمام, فتابعت:
"لا أريد أن يضيع كل هذا هباء... أنا لا تهمني تلك الأمور... إنما يهمني سلامة أخي وأمانه... ولست مستعدا لفقده... أو خوض مغامرة مشابهة... تتعرض حياته فيها للخطر... هل تفهمين؟"
وبدا عليها الارتياب والحيرة فقلت بتفصيل أدق:
"سامر ارتكب حماقة كبيرة بانضمامه إلى المنظمة المشاغبة في الوطن.. كان قاب قوسين أو أدنى من الهلاك الحتمي... لو يعود للوطن وتطاله أيدي السلطات أو الأيدي الخفية للمنظمة.. فسيعدم فورا... أنا أريده أن يستقر هنا معك... وينسى الماضي... ويبدأ حياته من جديد"
فتفوهت دانة أخيرا بين سؤال وإقرار:
"ومع رغد؟!"
عضضت على أسناني وشددت قبضتي... ثم قلت:
"إنه لن يجرؤ.. على المجازفة بحياته.. وهي تحت مسؤوليته.. سيحافظ على نفسه جيدا.. كي يحافظ عليها"
فنظرت إلي دانة نظرة مريرة ثم قالت:
"لكنها.. أعدت حقيبتها.. للسفر معك أنت"
أطلت النظر في عينيها ثم قلت:
"لن آخذها معي... مهما حاولت هذا أمر مفروغ منه"
ثم وقفت وقلت:
"أريدك أن تأتي معي الآن وتخبريها بأنني أرغب في حديث مهم معها"
فوقفت وهي تقول:
" وسامر؟؟"
فقلت محذرا:
"سامر اتركيه وشأنه.. ولا تحشي رأسه بأشياء خطيرة كهذه... من شأنها أن تعيدنا إلى الصفر"
واستدرت لأنصرف فإذا بي أسمعها تقول:
"إذن ما أخبرتني به أمي صحيح؟؟"
تسمرت في مكاني برهة.. ثم قلت:
"لا أعرف بماذا أخبرتك بالضبط ولا يهمني أن أعرف. فقط احتفظي بكلامها بعيدا عن سامر تماما"
وإذا بي أحس بشيء يمسك بذراعي.. ثم إذا بدانة تظهر أمام مرآي وتحدق في عيني بحرارة وتقول:
"أخبرني أنا... أعدك ألا أطلع سامر على شيء.. أدركت فداحة خطئي بإخباره.. هل حقا كنت تحب رغد وترغب في الزواج منها منذ صغرك؟؟"
تملكني الحنق من طرح السؤال الأشد إيلاما في حياتي.. وإجبار لساني على خيانة قلبي.. فقلت غاضبا:
"سخافة.. أحذرك... إياك أن تكرري قول شيء كهذا على مسامع سامر أو رغد.."
حملقت دانة بي كأنها تحاول قراءة ما يدور بخلدي... عيناها كانتا شبيهتين يعيني أمي... ما جعلني أشعر بحنين شديد إلى الغالية الفقيدة... خصوصا هذه اللحظة... وأنا أكتشف أنها كانت تفهمني وتفهم حقيقة مشاعري... في الوقت الذي كنت أشعر فيه... بأن الدنيا كلها قد تخلت عني.. ولم يعد أحد يكترث لي...
"وليد.. لماذا أنت غامض؟ لماذا لا أستطيع فهمك.. لماذا لا تصارحني.. مثل سامر؟ أنت أخي أيضا.. وأحبك كما أحبه.. وأتمنى أن تبقى معنا.. وأن تعيش سعيدا ومرتاحا"
لمست عطفا وحنانا فائقين في كلمات شقيقتي... مشاعر صادقة دافئة... لطالما استمت لأحظى بمثلها منذ سنين.. لم أجد من يمدني بعوض عنها غير أروى.. التي تجمدت علاقتي بها منذ زمن... مذ عرفت أنني قتلت عمار..
مددت يدي وشددت على يدي شقيقتي ممتنا... على لحظة العطف هذه.. وقلت:
"سعادتي وراحتي.. في أن تكونوا أنتم الثلاثة... بخير وفي أمان"
وعبثا حاولت دانة إقناع رغد بالسماح لي بالحديث معها... وانتهى ذلك اليوم.. واليومين التاليين, ورغد منزوية على نفسها في غرفتها... ترفض مقابلتي نهائيا...
وحل يوم الرحيل...
أنا الآن... أعد حقيبة سفري الصغيرة, التي جلبتها معي من الوطن... موشكا على المغادرة...
سأرحل.. وأترك عائلتي هنا.. قلبي هنا.. كل المشاعر.. وبقايا الأحلام المستحيلة.. سأحمل جروحي بعيدا.. إلى مكان أبرد من الثلج.. وأدفنها تحت الجليد..
أخيرا... آن الأوان.. لكلمة الوداع..
أخيرا... يا وليد...
كل لعبة قدر.. وأنت بخير!
فيما أنا أدخل يدي فيجوف الحقيبة, أمسكت بشيء ما... كان يتربع في قعرها.. شيء ذهلت حالما استخرجته ورأيته أمام عيني...
أتعرفون ما كان؟؟
صندوق أماني رغد!!!
يا للمفاجأة!!
أخذت أقلب في الصندوق محاولا التأكد منه.. إنه هو... وهل أتوه عنه!؟
ضحكت في نفسي!... بل أطلقت ضحكات لا أضمن لكم أنها لم تصل إلى مسامع أحد...
يا للمسكين! كيف لا يزال هذا الصندوق حيا...؟! هل لحق بي كل هذه المسافة... من شرق الأرض إلى غربها..؟؟ هل حملته معي دون أن أنتبه؟؟ أما زال هذا الصندوق مصرا على تذكيري بالأماني الخرافية الوهمية المستحيلة... التي حلمت بها ذات يوم؟؟
لقد عرفت...
شاءت الأقدار أن أجلبك معي... ولو بدون قصد... حتى أعيدك لصاحبتك.. قبل الوداع... الذي لن يكون هناك لقاء بعده..
أبدا.. لن تتحمل هذه المضخة التي تنبض في صدري منذ تخلقي في رحم أمي... أن تستمر في العمل لحظة واحدة... بعد أن تختفي رغد والأمل الواهم الذي تعلقت به منذ صغري... بأن تصبح لي...
أبقيت الصندوق بين يدي... أمام عيني... وأخذت أسترجع شريط الذكريات القديمة.. عندما جاءت طفلة صغيرة تحمل كتابها المدرسي وتطلب مني أن أصنع لها صندوقا مماثلا لذلك المصور في الكتاب.. ثم إذا بتلك الطفلة... تكتب أمنيتها الأولى... وتدسها بكتمان... في جوف الصندوق..
أنا مستعد.. لأن تستل روحي بعد دقيقة وأنتقل إلى العالم الآخر فورا.. مقابل أن تظهر الطفلة أمامي مجددا... لدقيقة واحدة.. واحدة فقط... أضمها إلى صدري... وأمسح على شعرها الحريري... وأقبل جبينها الناعم...
يا حبيبتي... يا رغد
دقيقة واحدة فقط...
الشوق المنجرف إليها جعلني أستخرج قصاصات صورتها القديمة.. وألملمها على سريري.. وأحدق فيها.. كدت أغرق في الوقت الضائع.. في الوقت الذي يجب فيه أن أستفيق.. أن أثبت أحسم الأمر... أن أتماسك لئلا أغرق السفينة بانهياري..
وداعا.. يا رغد..
لم أشعر إلا وأصابعي تطبق على القصاصات... تضمها إلى صدري قصاصة قصاصة.. ثم تطويها... وتدفنها داخل الصندوق..هناك.. حيث مقبرة الأماني الميتة.. التي لن تعود للحياة... ولم أعِ.. إلا وصورة رغد.. الصورة التي نامت تحت وسائدي أو فوق صدري... لتسع أو عشر سنين.. مئات الليالي وآلاف الساعات... قد اختفت من أمامي.. نهائيا..
وحانت لحظة المواجهة الأخيرة...
كنت سأذهب إلى المطار مع نوّار بعد قليل... وكان سامر و دانة سيرافقاننا.. أما رغد.. حبيبتي رغد.. ودعوني أقول حبيبتي قدر ما أشاء.. لأنني لن ألفظها بلساني يوما.. ولن أقولها في سري بعد هذا اليوم...
أقول أن حبيبتي رغد قد رفضت حتى أن تخرج من غرفتها لحظة.. لتودعني..
كانت آخر مرة رأيتها فيها صباح ذلك اليوم... عندما صادفتها قرب غرفتي... تنظر إلي النظرة الصفراء.. وتولي هاربة.. أظنها كانت قادمة إلي تريد التحدث معي وأظنها سمعتني أتحدث إلى سامر وأوصيه بها.. فتراجعت.. ثم رفضت أن تقابلني..
لم أستطع الخروج دون أن ألقي النظرة الأخيرة... لا يمكنني ذلك.. إنني لن أراها ولن أرى حتى صورتها بعد الآن... دعوني أقابلها ولو للحظة... للحظة ختامية.. نهائية...
لا أصعب من هذه الكلمة... لا أصعب من هذه اللحظة... لا أصعب من أن تحاول وصف ما لا يمكن وصفه... بأي شكل...
طلبت من شقيقيّ انتظاري في الصالة... وحملت صندوق الأماني وذهبت إلى غرفة رغد... طرقت الباب وسألتها الإذن بالدخول فلم تأذن لي... رجوتها وألححت عليها مرارا... حتى أني... أقسمت عليها وسألتها بالله أن تسمح لي بحديث أخير... وما كادت تسمح...
وأخيرا.. فتحت الباب...
كانت تجلس على سريرها مولية ظهرها إلي... لم تلتفت نحوي لتمنحني نظرة الوداع...
ناديتها فلم ترد علي... فتوغلت داخل الغرفة مقتربا منها أكثر...
عند ذلك انتبهت للوحات المصفوفة على الجدار... صورة أمي... صورة أبي... وصورة تخفي معالمها تحت سحابة من السواد... لم يكن من الصعب أن أعرف أنها صورتي أنا...
نظرت إلى رغد ولم أعرف ما أقول.. من أين أبدأ... وكيف أتكلم...
لطالما كانت رغد تعبر عن مشاعرها بالرسم.. أما أنا فبأي شيء سأعبر عن مشاعري الآن يا رغد..؟؟
أخيرا استجمعت شجاعتي وقلت:
"هل هذا السواد.. ما يحمله قلبك نحوي يا رغد؟؟"
لم ترد..
قلت:
"لا أريدك أن تكرهيني يا رغد.. صدقيني.. أما مضطر جدا.. لفعل هذا"
لم تتجاوب..






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 
   ابحث في المنتدى برعاية Google
واحصل على نتائج افضل    
Search with Google
أدخل العبارة التي تبحث عنها
 
 

ط³ظٹط§ط³ط© ط§ظ„ط®طµظˆطµظٹط© / Privacy-Policy

سياسة الخصوصية / Privacy-Policy جميع الحقوق محفوظة لمنتدى الأعمال

الساعة الآن 05:26 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Protected by Mt.AtSh

أنواع التأمين insurance management services http://www.insurance-2.com/
روائع تستحق المشاهدة misc wonders , news http://misc-wonders.blogspot.com/
الربح من الانترنت how to make money online http://moneyrood.blogspot.com/
أغاني للأطفال kids and songs http://kidsandsongs.blogspot.com/
كتاب كيف تصبح مليونير من الانترنت graphic design http://gfxnew.net/go/
بال ديزاين للتصميم والاستصافة hosting and web design http://paldesign.net/