عرض مشاركة واحدة
قديم 06-08-2009, 09:06 AM   #99
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

الجزء الخمسون ..




الفرار ,,





طلبت من رغد أن تأوي على الفراش باكرا... لأننا سنرحل باكرا بُعيد صلاة الفجر مباشرة. كانت رغد مصرة على البقاء ساهرة على جانبي في غرفة المعيشة... مترقبة معي أي جديد... لكنني ألححت عليها بالذهاب على غرفتها ونيل حصتها من النوم... فما ينتظرنا في الصباح شاق وطويل...
كنت أشعر بالأسى لحال الصغيرة... فهي وجدت نفسها فجأة مضطرة للسفر ومعرضّة للخطر والإرباك... وهي مجرد فتاة صغيرة لا ذنب لها فيما يحصل ولا طاقة لها بتحمله...
للحظة استسغت فكرة أبي حسام في أن يصطحبها معه إلى الشمال... حيت تجد الاستقرار والأمان في بيت خالتها ومع أقاربها... لكنني خشيت أن يحصل معي ومع سامر أي شيء... يمنع عودتي إليها ويقطع اتصالي بها... كنت بين ألسنة النيران تحيط بي من كل جانب... ولم يكن لدي متسع من الوقت لإعادة التفكير وتغيير مجرى الخطة...المهم الآن أن أضمن سلامة سامر, وبعده... سأعيد النظر في كل شيء...
كنت جالسا على أحد المقاعد في غرفة المعيشة... أعيد إلى محفظتي القصاصات التي بعثرتها صباح اليوم... قصاصات صورة رغد... وأرتب النقود وخلافها في حقيبة اليد الصغيرة وأنا شارد التفكير... فيما أنا كذلك, قُرع جرس المنزل...
هببت واقفا فجأة... متوجسا خيفة...
قُرع الجرس مجددا... قرعا فوضويا... قرع قلبي معه... أسرعت إلى الهاتف الداخلي وسألت عن الطارق.
"المباحث. لدينا أمر بتفتيش المنزل. افتح الباب"
تلاحقت أنفاسي هلعا... الشرطة من جديد؟؟
لم أكن أريد أن أفتح الباب... لكن... كان لابد لي من ذلك... فتحت القفل الآلي للبوابة الخارجية وسرت نحو الباب الداخلي وما كدت أفتحه إلا وفوجئت بحشد كبير من العساكر يندفعون بقوة نحو الداخل... مصوبين فوهات أسلحتهم نحوي وفي كل اتجاه...
كانوا يرتدون زيا مختلفا عما رأيت مسبقا... مما حدا بي إلى الاستنتاج أنهم ليسوا عساكر مدنيين...
أخذني الفزع ولم أجسر على أي تصرف... وإذا بقائدهم يحدق بي ثم يشير إلى العساكر آمرا:
"ليس الهدف, انتشروا"
أخذ الجنود يتدفقون إلى الداخل... فهتفت وأنا أراهم ينفذون الأمر دون اعتبار لي:
"انتظروا... أنتم... كيف تقتحمون علينا المنزل... ما هذا؟؟"
والحشد يستمر بالتوغل غير آبه بكلامي.
التفتُ إلى القائد فإذا به يقول:
"لا تعترضنا. لدينا أوامر رسمية بتفتيش المنزل واعتقال المشبوهين"
فالتفت إلى العساكر ورأيت بعضهم يندفعون عبر الردهة إلى الممر الأيمن...فلحقت بهم بسرعة وركضت أسبقهم نحو غرفة رغد ووقفت عند بابها...
توزع العساكر فرقا في كل الاتجاهات... إلى اليمين في اتجاه المطبخ وغرفة المائدة... إلى الشمال في اتجاه المجلس وغرف الضيوف... إلى الدرج... إلى الطابق العلوي... انتشروا انتشار الجراد على الحقول... يدوسون بأحذيتهم العسكرية على أرضية وسجاد المنزل النظيف مخلفين آثارا قذرة كقذارة تصرفاتهم...
اقتربت فرقة منهم مني يريدون اقتحام الغرفة خلفي...
صرخت بهم:
"ما هذه الهمجية؟؟ ألا تراعون أن للبيوت حرمات؟؟"
رد أحدهم بوقاحة:
"لا تكثر الكلام. دعنا ننجز مهمتنا"
فقلت بغضب:
"هل تقبل بأن يقتحم أحد عليك بيتك بهذا الشكل؟؟"
حينها أقبل قائدهم ووقف أمامي واستخرج من جيبه ثلاث صور لثلاثة أشخاص... لمحت أخي من بينهم... وكانت الصورة قديمة له قبل إجراء عملية التجميل لعينه اليمنى..., ثم قال:
"نحن نبحث عن هؤلاء... أتعرفهم؟؟"
أجبت:
"لا يوجد في هذا المنزل من تريدون... لقد فتشتم أرجاءه كاملة هذا الصباح فماذا تريدون بعد؟؟"
وعوضا عن الشعور بالخجل من همجية عساكره, قال قائدهم:
"فتشوا الغرفة"
يقصد غرفة رغد التي أقف أنا عند بابها حائلا دون تقدمهم.
صرخت وأنا أنشر ذراعيّ سادا المعبر:
"إياكم والاقتراب... هذه غرفة فتاة ولا أسمح لكم بدخولها"
فقال القائد مصرا:
"فتشوها"
اقترب أحد العساكر مني فدفعته بيدي وأنا أهتف:
"قلت لكم لن تدخلوها... أليس لديكم أي اعتبار للحرمات؟؟ ابتعدوا"
فجأة... إذا بجميع العساكر من حولي يشهرون أسلحتهم في وجهي... وإذا بقائدهم يأمرهم:
"ابتعدوا"
ولم أر إلا سواعد غليظة قاسية تنقض علي محاولة جري بعيدا عن الباب...
حاولت أن أقاومهم... ضربت... ركلت... صرخت:
"رغد"
ثلاثة منهم أطبقوا على أطرافي وجروني إلى الأمام... وآخر تسلل من خلفي وأطبق على مقبض الباب وفتحه...
صرخت بكل حنجرتي:
"رغد... رغد"
وحررت إحدى يدي وأطبقت على الجندي الذي فتح الباب وسحبته من قميصه إلى الوراء بقوة... نظرت إلى الداخل فرأيت رغد تهب جالسة على سريرها وتنظر نحو الباب وتنطلق صرخاتها المفزوعة فورا...
هتفت:
"رغد"
ثم جررت بقية أطرافي بكل ما أوتيت من قوة من بين قبضات الثلاثة الآخرين وركضت مسرعا إليها...
كانت رغد تطلق الصرخة تلو الصرخة من فرط الفزع... قدمت إليها بسرعة وأحطتها بلحافها وطوقتها بذراعي وجذبتها إلي وأنا أهتف:
"أنا هنا يا رغد... هنا معك... أنا معك"
وهي مستمرة في نوبة الصراخ المفزوعة لا تكاد من شدّة فزعها أن تسمعني...
الغرفة كانت خافتة الأضواء... تستمد نورها من مصباح النوم المجاور للسرير...
اقتحمها جنود الأمن... بل جنود الرعب والفزع... وأخذوا يجوبون في أرجائها ويفتشون الدواليب... والستائر...
صرخت فيهم بأعلى صوتي:
"أيها الأوغاد... أيها الحقيرون... أيها الهمجيون الأراذل"
لكن صراخي لم يكن يهزّ في مشاعرهم المتبلدة أي شيء...
اقترب أحدهم منا... قاصدا تفتيش أسفل السرير فانفلتت أعصابي أشدّها... ونظرت من حولي فرأيت الهاتف الثابت موضوعا على المنضدة المجاورة... أطبقت عليه ثم رفعته ورميت به بقوة باتجاه الجندي فأصبته...
التفتت أعين بقية العساكر إليّ... ولم أر إلا حشدا غوغائيا متوحشا يهرع باتجاهي كي يهاجموني...
تركت رغد من بين يدي وهببت نحوهم أحول دون تقدمهم وأنتقم لانتهاك حرمة منزلي...
ضربت... ركلت... ولكمت... بثورة... بشراسة... بكل ما أوتيت من قوة... أو ما تبقى في جسدي من قوة بعد كل ما ألم به مؤخرا...
عددهم كان عشرة أو أكثر... كانوا مسلحين... أجسادهم ضخمة وقوية... تدربت على القتال العنيف... الفتاك...
أذاقوني فنونا لم أذقها أيام سجني... انقضوا علي انقضاض قطيع من الذئاب الجائعة على فريسة واحدة... قبل أن تنتهي الضربة تلقفني ضربة أخرى... وقبل أن أشعر بالألم في موضع, يصاب موضع آخر... وقبل أن أحرك أي جزء من جسمي, تجثوا علي أجسادهم الثقيلة فتشلني تماما...
أظنهم كسروا جمجمتي... ربما سحقوا دماغي... لأنني لا أستطيع أن أتذكر ما حصل... لم أعد أستطيع التذكر... لم أعد أستطيع الرؤية... لم أعد أستطيع التنفس... ولم أعد أستطيع سماع... صراخ رغد...

**********

أما أنا... فقد كنت أسمع صوت الضرب... وصوت وليد يصرخ متألما... وكنت أصرخ... وأصرخ... وأصرخ...
حسبت أنني مع صرختي الأخيرة... خرجت روحي مفارقة جسدي...
أبعدت اللحاف عن وجهي... هل لي بنظرة أخيرة على وليد؟؟ أين وليد؟؟ أين وليد؟؟ كان هناك... تحت كومة ضخمة من الأجساد البشرية... الوحشية... غارقا في الدماء...
لقد رأيته... يمد يده نحوي... يحاول أن يزحف باتجاهي... لم يكن ينظر إلي... كانت الدماء تغرق عينيه...لكنه يعرف أنني هنا... أنا هنا وليد... تعال إليّ... وليد أسرِع إلي... ابتعدوا عنه... أيها الأوغاد ابتعدوا عن وليد...
أمسكت بعكازي... ووقفت... لا أعرف كيف... وسرت خطوتين... فوليد لم يكن بأبعد من ذلك...
رفعت عكازي... وهويت به على رأس أحد الأشرار... هل أصبته؟؟ أم أخطأته؟؟ لا أدري... لكن العكاز لم يعد في يدي... لم أعد أستطيع أن أقف... كنت سأقع على حافة السرير, لكن شيئا ما قد ضربني وأوقعني أرضا...
صرخت...
"آآآآآآآآه..."
وسمعت صوت وليد يرد على صرختي:
"رغد"
صوته جاء أشبه بصدى مرتد عن بئر عميق...
اقترب الوحش الذي ضربته مني... ورفع قدمه ورفسني بقوة... رفسة ربما كسرت العظم الذي ما كاد ينجبر في يدي اليمنى... وأنا أطلق الصرخات... فزعا وألما...
"وليد... وليد...وليد"
تحركت يد وليد من تحت كومة الوحوش... ثم ظهر جسده وهو يستل من بين قيودهم بصعوبة... يقاوم هذا ويدفع هذا ويضرب ذاك... وهو يصرخ:
"ابتعدوا عنها أيها القذرون"
ويزحف على ركبتيه... حتى وصل إلى الوحش الذي ضربني وأطبق على ساقه وجذبها وأوقعه أرضا... وأسرع إليّ...
تشبثت به بقوة... وأنا أرتجف كالزلزال من الذعر... أبحث عن نقطة أمان بين يديه... كانت يداه تحاول أن تحتوياني... يقربني ويبعدني وهو يهتف باسمي مكررا:
"رغد... رغد..."
فجأة... رأيت عصا تحلق في الأعلى... ثم تحط بقوة على رأس وليد...
صرخت... وصرخ وليد... وأفلتٌ من بين يديه... ورأيت رأسه يهوي أرضا... ثم إذا به يبتعد عني... كانوا يسحبونه بعيدا...
صرخت... ومددت يدي نحوه وأمسكت بيده وأنا أناديه بفزع ما ضاهاه فزع... ورأيت يده تتحرك وتمسك بيدي... ثم تنفلت منها... وليد لم يكن ينظر نحوي... لم يكن يراني... لأنهم كانوا يقلبونه صدرا على ظهر... ويمينا على شمال... كانوا يمسكون برأسه... ويوشكون على كسر عنقه... كانوا يريدون أن يقطعوا نحره بحافة ذقنه... كانوا يحاولون خلع مفاصله وفصل أطرافه عن جسمه... رأيتهم... يدوسون على ذراعه الممدودة نحوي... ويركلون رأسه كما تركل كرة القدم...
وعصيهم كانت تنهال على ظهره وصدره بالضرب... وكأنهم يفتتون صخرة صلبة... تسد عليهم الطريق...
أولئك... لم يكونوا مخلوقات من هذا الكوكب... لم يكونوا يدركون... من هذا الذي يهمون بقتله... لا يعرفون أن هذا... هذا هو... وليد... وليد قلبي... كل حياتي...
أردت أن أنهض وأهب للذود عنه... لأفعل أي شيء... لأصد عنه ضرباتهم... بحثت عن عكازي... الذي طالما تحمل ثقلي طيلة الشهور الماضية وصار كجزء مني... أتعرفون أين وجدته؟؟؟


::







التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس