عرض مشاركة واحدة
قديم 06-08-2009, 09:18 AM   #105
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

كنت أنتظر من وليد الحضور إليّ من أجل إعادة النظر في مشكلتنا الخاصة والتي هي أكبر وأهم من أن يماطل في حلها... فكيف تتوقعون مني أن أفكر... لدى علمي بأنه قد تركني فيما أنا فيه... وسافر مع عائلته دون أي كلمة؟؟ وكأنني شيء جانبي في حياته أو على الهامش...
تفاقم إحساسي بالغيظ وخيبة الأمل من وليد... وفاق إحساسي السابق بالقلق... فتوقفت عن محاولة الاتصال به... وصممت على ألا أكلمه... حتى أقابله وجها لوجه... المقابلة الحاسمة...

***********

كعادتي كل يوم... أقضي الساعات في الرسم... إذ إنه لاشيء أمامي غيره...
لم أكن أرغب في مجالسة دانة وسامر أو التحدث معهما... لم أرغب في التواصل مع خالتي ونهلة وطمأنتهما على أحوالي... لم أبادر بمهاتفة مرح أو أي زميلة في الجامعة وإعلامها بما حصل معي...
لا شيء يثير اهتمامي... ويشغل تفكيري... غير وليد...
لم أكن أرى غير عينيه... في نظرته الأخيرة لي... عبر زجاج نافذة السيارة... وهو يلوح لي مودعا...
والصورة الأخيرة التي طبعتها في مخيلتي... ترجمتها بفرشاتي فصارت نصب عيني...
كدت قد تعلقت بأمل شبه ميت... بأنه بخير... وسيظهر... هكذا كان سامر وعمي أبو حسام يرددان كلما سألتهما... إلى أن اتصل بسامر أبو فادي, صديق وليد الحميم وأكد أنه مع وليد في تلك البلدة وأن أباه المحامي يعمل جاهدا على حل قضيته. وصار سامر على اتصال يومي به... ينقل إلينا الأخبار أولا بأول... ويطمئننا إلى أن وليد بخير... وسيُطلق سراحه قريبا...
الحمد لله...
الساعة التاسعة والنصف مساء... ولا أزال واقفة أمام لوحتي الجديدة... أدمج ألوانها بحذر... متمنية أن أنجح هذه المرة في تصوير ملامح وقسمات وجه وليد... تماما كما هي في الحقيقة... وتماما كما كانت لحظة أن ودعني ويده تلوح في الهواء...
لحظة فظيعة... فظيعة جدا!
أشعر بتعب... فأنا منهكة في الرسم منذ ساعات... هذا إلى أنني مصابة بالزكام الحاد نتيجة الجو البارد في هذه البلدة... وتداهمني نوبات متكررة من السعال الشديد...
يُطرق الباب, فأجبت بتملل:
"من هناك؟؟"
وأنا أعرف أن الطارق لن يكون غير واحد من اثنين... سامر... و دانة... وهما لم يأتيا ويربكا تركيزي- كعادتهما منذ ساعات...
وعلى أثر التكلم تنتابني نوبة سعال قوية...
"هل تأذنين لي بالدخول؟"
سمعت صوت سامر يتحدث... فوضعت لوح ألواني جانبا باستياء... وتناولت وشاحي واتجهت إلى المرآة وأنا لا أزال أسعل...
هنا سمعت صوت مقبض الباب يُدار وفوجئت به يفتح...
كيف تجرؤ!
التفت إلى الباب بسرعة وأنا أهتف بصوتي المبحوح:
"انتظر سامر"
فإذا بي أرى دانة تطل برأسها من فتحة الباب ثم تتسلل إلى الداخل...
نظرت إليها باستغراب... وأصابني القلق لدى رؤيتي سيلين من الدموع على وجنتيها وتعبيرات متداخلة قوية منقوشة على وجهها... ثم إذا بها تقول:
"الآن...؟؟"
وتلتفت إلى الناحية الأخرى وتقول:
"تفضل"
وتفتح الباب على مصراعيه...
كان موليا ظهره للباب... ثم تنحنح بخشونة... واستدار ليلقي نظرة على داخل الغرفة... وتقع عيناه على عيني... ويتهلل وجهه ويبتسم ويقول:
"صغيرتي!"
لا أصدق...
لا أصدق...
لا أصدق... لا أصدق...
شهقت... رفعت يدي إلى فمي... كتمت سعالي... تراجعت إلى الوراء بخطوات مبعثرة... أهز رأسي... ثم أؤرجح يدي... ثم أترنح على قدمي... ثم أتسمر في موضعي... ثم أطلق زفرة صارخة قوية:
"وليد!!!"

***********

كانت تقف على قدميها الاثنتين... أجل, فالجبيرة قد نُزعت عن رجلها اليسرى... وصارت تمشي بحرية...
لكنني لحظت العرج البسيط في مشيتها من أول خطوات سارتها أمامي... وسمعت بحة قوية في صوتها وهي تناديني...
يا لصغيرتي الحبيبة... يا لرغد...
إنني لا أكاد أصدق... أنني عدت لأراها من جديد...
لقد حسبت... القدر يلعب معي لعبته الجديدة... وأنتهي مرميا في السجن محروما من الحرية... من نور الشمس والهواء... ومن أهلي وأحبابي...
ما سجدت لله شاكرا... لن أستطيع أن أبلغ جزءا من ألف جزء... من واجب الشكر والامتنان للرحمن...
اللهم لك الحمد والشكر... بعدد ما تشاء وما ترضى... إلى ما تشاء وما ترضى...
فيما بعد... جلست على أحد المقاعد... وأحاط بي شقيقي من الجانبين, ووقفت الصغيرة أمامنا... فضممت أخوي إلي بحرارة... مرددا (الحمد لله) وداعيا ربي بأن يحفظ لي أخوي وابنة عمي... ويبقي لي عائلتي سالمة وبعيدة عن كل المخاطر...
المأزق الذي مررت به... محنة سامر هذه... شيّبت شعري وجعلتني أقفز إلى سن الشيخوخة... وأصبح كعجوز على فراش المرض يعد أواخر أيامه... ويلملم أفراد عائلته من حوله... ليودعهم...
ولأنه كان اجتماعي الأول بدانة بعد فراق طويل... منذ ليلة عرسها تلك... فإن مئات المشاعر لمئات الأسباب والأحداث تفجرت ليلتها... وأغرقتها في بحور عميقة لا بداية لها ولا نهاية...
وطبعا لم تكن المناسبة تمر دون أن نذكر والديّ رحمهما الله, ونقلّب المواجع على فقدهما... وقد كانت دانة هي آخر من رآهما قبل وفاتهما... عندما زارتهما هي وعريسها بعد زواجهما مباشرة, وقبل انتقالهما للعيش في هذه البلد...
يا للذكريات...
هدأت عواصف مشاعرنا المختلفة أخيرا... وبدأ الجميع يسألني عن تفاصيل ما حصل معي خلال الأيام الماضية... فأوجزت لهم الأحداث وطمأنتهم إلى سير الأمور على خير... واطمأننت بدوري عليهم وشعرت لأول مرة... بعد عناء طويل وانشغال كبير... براحة البال...
وأنا أرى سامر... ورغد... وكذلك دانة من حولي... لم أكن لأتمنى من هذه الدنيا إلا سلامتهم... شددت على يد سامر ونحن نحدق في بعضنا البعض... وكانت النظرات أبلغ وأفصح من أي كلمات...
الحمد لله...
ولأنني كنت مرهقا من عناء السفر الطويل... ولا أزال في فترة النقاهة... فقد أردت أن أخلد للنوم والراحة... أخذتني دانة إلى إحدى الغرف... في زاوية بعيدة بعض الشيء عن الجناح الذي يقيم فيه سامر ورغد... وتركني الجميع هناك لأستحم ثم آوي إلى الفراش...
بعدما أنهيت استحمامي وفيما أنا أستخرج أدويتي من الحقيبة لأتناولها سمعت طرقا على الباب.
"تفضل"
كانت شقيقتي دانة... تحمل معها بطانيات وألحفة.
"تدثر جيدا... لئلا تصاب بنزلة برد مثل رغد"
قالت وهي تضعها على السرير فابتسمت وقلت:
"شكرا"
"أتحتاج أي شيء؟؟ ألا أجلب لك طعاما؟"
سألت فأجبت:
"كلا شكرا. هل لي ببعض الماء فقط؟؟"
"بالتأكيد"
وهمّت بالانصراف فأضفت:
"ومصحف من فضلك"
فابتسمت وحانت منها التفاتة إلى المنضدة التي وضعت عليها الأدوية ثم نظرت إلي باستنكار وقالت وهي ترفع سبابتها:
"التدخين ممنوع!"
فضحكن ضحكة خفيفة وقلت:
"هذه أدوية معدتي! أقلعت والحمد لله"
وفيما بعد جلست على السرير ملتحفا بالبطانية... أتلو آيات من الذكر الحكيم... وأحمد الله مرارا وتكرارا في سريرتي... وما إن مضت بضع دقائق حتى عاد الطرق على الباب...
"نعم تفضل"
متوقعا أن تكون دانة... غير أنها كانت رغد...
بدا عليها التردد وعي تفتح الباب ببطء وتطل من فتحته... ثم تخطو خطوة أو اثنتين إلى الداخل... بمجرد أن وقعت عيناي على عينيها عرفت أن لديها الكثير لتقوله... لكنّ تعبيرات وجهها اضطربت وقالت:
"اعتذر على الإزعاج... فقط أردت أن... أسألك إن كنت بحاجة إلى شيء"
أنا؟!... أنا محتاج إلى كل شيء يا رغد!
أجبت:
"شكرا صغيرتي... لا شيء للآن"
فشتت أنظارها في أرجاء الغرفة ثم سألت بخجل:
"هل شُفيت إصاباتك؟؟"
تعني ولا شك... الهجوم الوحشي الذي تعرضنا له تلك الليلة... وهي ليلة أشعر بالخجل والعار كلما تذكرتها... غضضت بصري وأجبت محاولا التظاهر بالعفوية والمرح:
"نعم... كما ترين"
ولما رفعت بصري إليها رأيتها تبتسم ثم تقول:
"حسنا... تصبح على خير"
ثم سعلت لبضع ثوان وهي تتراجع للخلف... فقلت:
"سلامتك"
فاتسعت ابتسامتها... وتابعت سيرها إلى الوراء وهي ممسكة بمقبض الباب تغلقه ببطء إلى أن بقيت فتحة صغيرة بالكاد تسمح برؤية نصف وجهها فإذا بي أسمعها تقول:
"أنا سعيدة بعودتك سالما... كدت أموت خوفا عليك... سعيدة جدا"
وتغلق الباب!
في اليوم التالي اجتمعنا أنا وشقيقاي ورغد ونوّار حول مائدة الغداء... وحتى لو لم أشاركهم طعامهم, شاركتهم الدفء العائلي والإحساس بالانتماء... والجو الأسري الرائع الذي كثيرا ما أفتقده...
وفي وقت القيلولة... جلست مع أخي سامر في غرفته أسأله عن تفاصيل ما حصل معه ومع رغد بعد افتراقنا... وأناقش معه الخطط المستقبلية... دار بيننا حديث طويل... كنت من خلاله... أريد أن أستشف وضعه النفسي... وأعرف إلى أي مدى ارتفعت معنوياته واستعاد رباطة جأشه...
وبالطبع, تحاشيت تماما ذكر موضوع المنظمة... بل إنّي قد عاهدت نفسي ألا أكترث لما فعل أخي ولا لكيف فعل, لا حساب ولا عتاب ولا استجواب, إن هو نجا وخرج من المأزق الخطير سالما... وما دام أخي معي الآن... وأراه أمامي بخير... فلا يهمني النبش في الماضي...
"لم تحدق بي؟!"
سأل سامر وقد لاحظ شرودي وأنا انظر إليه... فابتسمت وقلت:
"آسف... كنت أفكر... كيف سنعثر على منزل مناسب لنشتريه..."
فقال:
"في الحقيقة كنت قد استفسرت من نوّار مسبقا... عمه يقيم في هذه البلدة منذ عشرين عاما ويستطيع مساعدتنا في تدبر أمر المنزل"
قلت:
"جيد. إذن سنسعى لذلك من الآن إذ أنه من المحرج مبيتنا هنا"
حتى ولو كانت عائلة نوّار ترحب بنا بشدة...
قال سامر:
"نشتري شقة مناسبة في مكان قريب من هذا المنزل"
قلت:
"أو منزلا مستقلا... صغيرا ويناسب وضعنا الراهن"
قال سامر وهو يركز النظر إليّ:
"إذن... هل... ستستقر هنا؟؟"






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس