عرض مشاركة واحدة
قديم 06-08-2009, 09:40 AM   #114
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

أقنعت دانة زوجها بأن ننتقل للإقامة في المنزل الكبير عوضا عن الفندق, ولذلك ليتسنى لها تحضير الموائد الرمضانية المميزة وبحرية كما تقول... وطلبت من أخيها المكوث معنا أيضا... فوافق الأخير إكراما لها.
طبعا أنا لم يعجبني الوضع ولكنني لم أملك إلا الانصياع للظرف المؤقت, قبل رحيلي إلى بيت خالتي. وبعد انتقالنا للمنزل, إذا بدانة تقترح على زوجها أن يشتري حصة أخيها من المنزل ويسجلها باسمها... وتخبرنا بأنها تنوي التنازل عن الحصة لصالح وليد بعد ذلك...
نوّار رجل ثري كما تعرفون, وهو يحب دانة وينفذ رغباتها. وبهذا تم توكيل المحامي أبي سيف للقيام بالإجراءات اللازمة بأسرع ما يمكن.
أنا لا دخل لي بكل هذا إذ أنني لم أرث شيئا من هذا المنزل بطبيعة الحال, لكنني استلمت الحصة التي كان ابن عمي وليد قد تنازل لي عنها من إرث المنزل المحروق في الشمال, وسأستلم الإرث الذي تركه والدي الحقيقيان لي, والذي كان عمي شاكر قد حوله إلى وديعة مالية في أحد المصارف, وحان وقت استلامها. سأستغل جزءا من هذه الأموال في العودة إلى الدراسة من جديد.
في أول ليلة لي في هذا المنزل اتصلت بصديقتي مرح أسامة والتي كنت قد انقطعت عن الاتصال بها منذ رحيلي عن الوطن.. فألحت علي لزيارتها في منزلها في الليلة التالية.
كانت تلك الليلة شديدة البرودة.. وكانت دانة ترغب بالذهاب إلى أحد المتاجر لشراء بعض الحاجيات للمطبخ, لذا اصطحبنا شقيقها إلى منزل آل المنذر قبل أن يذهب معها إلى المتجر. ورغم برودة الجو لقينا آل المنذر في استقبالنا عن الباب ورحب أبو عارف وابنه الفنان عارف بابن عمي ترحيبا حميما عند لا يقل عن ترحيب مرح الملتهب بي داخل المنزل.
فيما بعد وأنا ومرح نتبادل الأحاديث والأخبار سألتني:
"ماذا عن الجامعة؟؟"
فقد أرغمتني الظروف على الانقطاع عن دراستي وللمرة الثانية... وتأخر فرصتي في الحصول على شهادة جامعية, كما كنت أحلم...
قلت:
"سأعود إلى الجامعة في الشمال"
فقال:
"لا تقولي! أبليت بلاء حسنا هنا... إنك أخطر منافسة لي والدراسة بدونك مملة!"
فضحكت وقلت:
"إذن تخلصتِ مني وضمنت المركز الأول"
فقالت بأسلوبها المرح ممزوجا برجاء:
"أرجوك رغد... عودي إلينا... ثم إن جامعتنا أرقى مستوى من تلك الشمالية"
فقلت:
"وأعلى تكلفة!"
وابتسمت بقلة حيلة وقلت:
"ولا طاقة لي بها حاليا!"
قالت مرح:
"آه صحيح تذكرت... لم يعد السيد وليد شاكر مديرا للمصنع والشركة"
حقا؟؟ أنا لم أعرف ذلك! أصلا لم أكن أريد أن أعرف أي أخبار عنه... وكلما جيء بذكره ونحن هناك في منزل دانة, أنسحب فورا من المجلس.
تابعت مرح:
"والدي وعمي حزنا كثيرا لمغادرته. كانا معجبين به ويكنان له احتراما وثقة كبيرين! كلنا أسفنا على انفصاله عن السيدة أروى وعن المؤسسة..."
ماذا...؟؟ ماذا قالت مرح؟؟ أنـــ...فصاله عن... أروى؟؟!!
فاجأني الخبر... صحيح أنني استغربت عيشه في تلك الشقة غير أنني لم أكن لآبه بأي شيء يتعلق به.. أصلا لم أكن موافقة على حضوري للمدينة الساحلية لكن دانة ألحت عليّ...
لكنّ هذا الخبر... فاجأني وأدهشني..
قلت طالبة التأكيد:
"أ... أعيدي ما قلت مرح؟؟"
نظرت إلي مرح باستغراب... فكررتُ:
"ماذا قلت الآن مرح؟؟ انفصاله عن ماذا؟؟"
تقوس حاجبا مرح دهشة وقالت مستغربة:
"عن السيدة أروى وعن الشركة!"
رفعت يدي من الدهشة ووضعتها على فمي... وحملقت في مرح بعينين واسعتين... مرح تأملت انفعالاتي وهي في حيرة من أمري... ثم بدا عليها وكأنها استنتجت شيئا, فقالت:
"لا تقولي... أنك لم تكوني تعلمين!؟؟"
سامحوني...
أعرف أن هذه أمور يجب على المرء أن يبدي الأسف حيالها... ويراعي مشاعر الآخرين...
أنا آسفة... لكن...
أنا الآن...
في هذه اللحظة...
أشعر برغبة مفاجئة في الضحك!
لم أنتبه لنفسي إلا وأنا أطلق ضحكة ساخرة.. ردا على سخرية القدر مني..
الشقراء... الدخيلة... التي بذلت كل جهودي كي أطردها بعيدا عن وليد في الماضي... لأستحوذ عليه.. والتي كنت أتمنى أن أمحوها كما أمحو رسمة واهية بقلم الرصاص.. قد انفصلت للسخرية عنه.. دون تدخلي!
يا للأيام...!!
التفت بعد أن فرغت من الضحك إلى مرح وسألت ساخرة:
"ولماذا انفصلا؟؟"
فنظرت إلي مستغربة من ردة فعلي... وقالت:
"تسأليني أنا؟؟"
أخيرا طردت السؤال والموضوع وصورة الشقراء وصورة وليد من رأسي, وغيرت اتجاه الحديث بعيدا...
وبعد نحو ساعة أُعلمت أن أهلي قد جاءوا فشكرت مرح على حسن ضيافتها وودعتها توديعا حارا... وخرجت من المنزل.

************

خرجت من المنزل وأغلقت البوابة الخارجية, ثم خطت خطوتين نحو السيارة, ثم توقفت وتراجعت للوراء.
ربما لم تستوثق من السيارة, فهي ليست السيارة السابقة التي اعتادت عليها. فتحت النافذة ونظرت إليها وقلت:
"تفضلي"
وربما لم تسمع صوتي لأنها لم تتحرك.. فأطللت برأسي مستغربا وأومأت إليها أن تعالي.. لكن رغد نظرت إلي نظرة غريبة ثم سألتني:
"أين دانة؟"
فقلت:
"ذهبت مع زوجها وطفلتها في مشوار"
وإذا بي أرى رغد تتراجع نحو بوابة منزل آل المنذر... وتهم بقرع الجرس!
خرجت من السيارة مستغربا من تصرف رغد وأقبلت إليها وقلت:
"ماذا ستفعلين؟؟"
فقالت دون أن تنظر إلي:
"سأتصل بدانة وأطلب منها الحضور مع نوّار لاصطحابي"
عندها شعرت بطعنة قوية تخترق صدري. اقتربت من رغد وقلت متألما:
"لماذا تفعلين ذلك؟؟"
فالتفتت إلي وأجابت حانقة:
"وهل تنتظر مني أن أركب السيارة معك أنت بمفردي؟"
وكانت هذه الطعنة أشد من سابقتها... وهمت رغد بأن تقرع الجرس فتداركتها مسرعا:
"أرجوك لا تفعلي... لا تحرجينا مع آل المنذر"
ففهمت رغد حرج الموقف و سحبت يدها... قلت:
"تعالي لنعود إلى المنزل الآن... أرجوك"
فوقفت برهة مترددة... ومر تيار قوي من الهواء ارتعدت له فرائصنا... فقلت:
"هيا فالريح تشتد"
وما كان منها إلا أن سارت على مضض وركبت السيارة كارهة ومشيحة بوجهها للعالم الآخر... فسلكنا طريق العودة بصمت الموتى... ووحشة المقابر..
عندما وصلنا إلى البيت, أردت أن أتحدث معها فهي لم تكلمني منذ حضورها للوطن, بل منذ تركتها في منزل دانة... قبل أكثر من عام... لكنها وفور دخولها المنزل أسرعت مهرولة إلى الطابق العلوي...
لحقت بها وأنا أسير منكسر الخاطر... حتى إذا ما اقتربت من غرفتها وجدت الباب مغلقا وصوتها يتخلله وهي تتكلم بغضب قائلة:
"... لكنه أخوك أنت وليس أنا"
"... عودي فورا"
هبطت للطابق السفلي... وانزويت على نفسي في غرفة المعيشة والتي عدت أستغلها كغرفة نوم لي... وجعلت أعض أصابعي حسرة على صغيرتي رغد...
قدمت دانة مع طفلتها وزوجها بعد نحو ساعة... وسألتني عما حصل فأخبرتها بموقف رغد مني... وبأن ذلك جرح شعوري كثيرا... وبأنني سأعود إلى شقتي إن كان وجودي من حولها يزعجها لهذه الدرجة...
ربما كان الأسى صارخا بأعلى صوته على وجهي للحد الذي جعل شقيقتي تمد يديها وتمسك بيدي بحنان بالغ وتربت علي وتقول:
"لا تبتئس هكذا يا أخي الحبيب.. إنها لا تزال تحبك... لكنها أيضا لا تزال تعتقد أنك... كنت تسخر من عواطفها تجاهك"
رفعت بصري إلى شقيقتي وحملقت بها مندهشا.. فأغدقت عليّ نظرات التفهم والحب والتعاطف, وكأنها كانت تقرأ كل ما يدور برأسي وترى ما يختبئ في صدري...
وإذا بها تقول:
"لسنين طويلة.. كانت تضع ساعة يدك الرجالية حول معصمها.. كنا نسخر منها.. لكنها لم تأبه بنا.. أظن أنها كانت مولعة بك منذ الطفولة.. وكانت تنتظرك.. لو كنت اعترفت ذلك اليوم بحقيقة شعورك أنت أيضا.. قبل رحيلك عنا.. ربما كنا حللنا الموضوع بشكل أقل إيذاء.. أخي سامر لم يكن أبدا ليرغب في الزواج من فتاة لا تحبه.. بل تحب شقيقه... واكتشف أيضا أن أخاه كان يحلم بالزواج منها"
وتوقفت قليلا تتأمل ذهولي من كلامها... قلت في دهشتي من صراحتها, محاولا إنكار الحقيقة:
"ما الذي... تهذين به!؟"
لكن دانة أدارت وجهها يمينا ويسارا وقالت:
"لا تحال يا وليد! لا جدوى من الإنكار.."
وأخذت تنظر إلي بنظرات عميقة... كأنها تكشف كل أفكاري.. ثم واصلت:
"سامر علم من رغد بحقيقة ما حصل قبل سنين مع ذلك الفتى الذي قتلته... وسبب قتلك له.. وكتمك الحقيقة وتحملك السجن.. ربط بين الأمور واستنتج كل شيء.. لذا.. قرر الابتعاد عن رغد والارتباط بأخرى... ليثبت لك أنت بالذات... بأنه يستحيل أن يتزوج بفتاة كنت تحلم بها أنت يا وليد..."
في اليوم التالي.. وأثناء تناولنا طبق التحلية, ونحن جلوس في غرفة المعيشة نشاهد التلفاز... تذكرت شيئا سرعان ما ذهبت لجلبه, وعدت به أمده نحو رغد...
"رغد هل تذكرين هذه؟"
وأنا أحاول الظهور بالمرح علها تتجاوب معي... علّنا نبدأ صفحة جديدة.. علّها تمنح قلبي لحظة اطمئنان واحدة... كانت مجموعة الصور التي رسمتها رغد لي ليلة أن وقعت من أعلى الدرج... تذكرونها؟ صور بقلم الرصاص كنت قد سلمتها إياها قبل سفرها الأخير إلى الشمال.. واسترجعتها من غرفتها السفلية بعد عودتي من خارج الوطن...
رغد تناولت الأوراق وراحت تقلبها وتتأملها... كنت مبتسما ومنتظرا تعليقا يجبر بخاطري بعد موقف البارحة... لكنني فوجئت برغد تمزق الأوراق وترمي بها نحوي وتقول:
"أنا لا أذكر شيئا كهذا ولا يهمني أن أذكر... ولا تنادني باسمي المجرد ثانية... هل فهمت يا سيد وليد؟؟"
وقامت من مقعدها وجرت مسرعة مغادرة الغرفة. حدث كل هذا أمام مرأى دانة ونوّار... اللذين ظلا يحملقان بي مذهولين.. ومنتظرين ردة فعلي..






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس