عرض مشاركة واحدة
قديم 05-01-2012, 09:53 PM   #13
nermine
مشرفة منتدى الأعمال
الصورة الرمزية nermine

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

nermine غير متصل

nermine is on a distinguished road
افتراضي رد: قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

تتمة قصة سيدنا موسى الكليم


ثم شرع في ذكر سبب خروجه من بلاد مصر، وذهابه إلي أرض مدين، وإقامته هنالك حتى كمل الأجل وانقضى الأمد، وكان ما كان من كلام الله له، وإكرامه بما أكرمه به، كما سيأتي. فقال تعالى: (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدي: وذلك نصف النهار، وعن ابن عباس: بين العشاءين. (فوجد فيها رجلين يقتتلان) أي: يتضاربان ويتهارشان (هذا من شيعته) أي: إسرائيلي. (وهذا من عدوه) أي: قبطي، قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد ابن إسحاق.

(فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) وذلك أن موسى عليه السلام، كانت له بديار مصر صولة، بسبب نسبته إلي تبني فرعون له وتربيته في بيته، وكانت بنو إسرائيل قد عزوا وصارت لهم وجاهة، وارتفعت رءوسهم بسبب أنهم أرضعوه، وهم أخواله أي من الرضاعة، فلما استغاث ذلك الإسرائيلي موسى عليه السلام على ذلك القبطي أقبل إليه موسى (فوكزه) قال مجاهد: أي طعنه بجميع كفه، وقال قتادة: بعصاً كانت معه (فقضى عليه) أي: فمات منها.

وقد كان ذلك القبطي كافراً مشركاً بالله العظيم، ولم يرد موسى قتله بالكلية، وإنما أراد زجره وردعه، ومع هذا (قال) موسى: (هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي) أي: من العز والجاه (فلن أكون ظهيراً للمجرمين).

يخبر تعالى أن موسى أصبح بمدينة مصر خائفاً ـ أي: من فرعون وملئه ـ أن يعلموا أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره، إنما قتله موسى في نصرة رجل من بني إسرائيل، فتقوى ظنونهم أن موسى منهم، وترتب على ذلك أمر عظيم.

فصار يسير في المدينة في صبيحة ذلك اليوم (خائفاً يترقب) أي: يتلفت، فبينما هو كذلك، إذا ذلك الرجل الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس يستصرخه، أي: يصرخ به ويستغيثه على آخر قد قاتله، فعنفه موسى ولامه على كثرة شره ومخاصمته، قال له: (إنك لغوي مبين) ثم أراد أن يبطش بذلك القبطي، الذي هو عدو لموسى وللإسرائيلي، فيردعه عنه ويخلصه منه، فلما عزم على ذلك وأقبل على القبطي (قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس أن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين).

والمقصود أن فرعون بلغه أن موسى هو قاتل ذلك المقتول بالأمس فأرسل في طلبه، وسبقهم رجل ناصح من طريق أقرب (وجاء رجل من أقصى المدينة) ساعياً إليه، مشفقاً عليه، فقال (يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج) أي: من هذه البلدة، (إني لك من الناصحين) أي: فيما أقوله لك. قال الله تعالى: (فخرج منها خائفاً يترقب)، أي: فخرج من مدينة نصر من فوره على وجهه لا يهتدي إلي طريق ولا يعرفه، قائلاً:

{ فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ***1649;لْقَوْمِ ***1649;لظَّالِمِينَ } * { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى***1648; رَبِّي***1764; أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ***1649;لسَّبِيلِ } * { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ***1649;لنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ***1649;مْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى***1648; يُصْدِرَ ***1649;لرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } * { فَسَقَى***1648; لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى***1648; إِلَى ***1649;لظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } (سورة القصص:21ـ24) .

يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر خائفاً يترقب، أي: يتلفت، خشية أن يدركه أحد من قوم فرعون، وهو لا يدري أين يتوجه، ولا إلي أين يذهب، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها. (ولما توجه تلقاء مدين) أي: اتخذ له طريقاً يذهب فيه: (قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) أي: عسى أن تكون هذه الطريقة موصلة إلي المقصود، وكذا وقع، فقد أوصلته إلي المقصود وأي مقصود. (ولما ورد ماء مدين) وكانت بئراً يستقون منها، ومدين هي المدينة التي أهلك الله فيها أصحاب الأيكة، وهم قوم شعيب عليه السلام، وقد كان هلاكهم قبل زمن موسى عليه السلام في أحد قولي العلماء.

ولما ورد الماء (وجد عليه أمة من الناس يسقون * ووجد من دونهم امرأتين تذودان) أي: تكفكفان عنهما غنمهما أن تختلط بغنم الناس. وعند أهل الكتاب أنهن كن سبع بنات، وهذا أيضاً من الغلط، ولعلهن كن سبعاً ولكن إنما كان تسقى اثنتان منهن، وهذا الجمع ممكن إن كان ذاك محفوظاً، وإلا فالظاهر أنه لم يكن له سوى بنتين.

(قال ما خطبكما، قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير) أي: لا نقدر على ورود الماء إلا بعد صدور الرعاء لضعفنا، وسبب مباشرتنا هذه الرعية ضعف أبينا وكبره، قال الله تعالى: (فسقى لهما). قال المفسرون: وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم، وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة فتجئ هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام الناس، فلما كان ذلك اليوم جاء موسى فرفع تلك الصخرة وحده، ثم استقى لهما وسقى غنمهما، ثم رد الحجر كما كان، قال أمير المؤمنين عمر: وكان لا يرفعه إلا عشرة، وإنما استقى ذنوباً واحداً فكفاهما.

ثم تولى إلي الظل، قالوا: وكان ظل شجرة من السمر، وروي ابن جرير عن ابن مسعود: أنه رآها خضراء ترف (فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير). سمعته المرأتان فيما قيل، فذهبتا إلي أبيهما، فيقال إنه استنكر سرعة رجوعهما، فأخبرتاه بما كان من أمر موسى عليه السلام، فأمر إحداهما أن تذهب إليه فتدعوه (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) أي: مشي الحرائر، (قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) صرحت له بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة، وهذا من تمام حيائها وصيانتها (فلما جاءه وقص عليه القصص) وأخبره خبره، وما كان من أمره في خروجه من بلاد مصر فراراً من فرعون، (قال) له ذلك الشيخ (لا تخف نجوت من القوم الظالمين) أي خرجت من سلطانهم فلست في دولتهم. وقد اختلفوا في هذا الشيخ من هو؟ فقيل: هو شعيب عليه السلام، وهذا هو المشهور عند الكثيرين، وممن نص عليه الحسن البصري، ومالك بن أنس، وجاء مصرحاً به في حديث، ولكن في إسناده نظر.

والمقصود: أنه لما أضافه وأكرم مثواه، وقص عليه ما كان من أمره بشره بأنه قد نجا، فعند ذلك قالت: إحدى البنتين لأبيها: (يا أبت استأجره) أي: لرعي غنمك، ثم مدحته بأنه قوي أمين. قال عمر وابن عباس وشريح القاضي وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد لما قالت ذلك، قال لها أبوها: وما علمك بهذا؟ فقالت: إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة. وإنه لما جئت معه تقدمت أمامه، فقال: كوني من ورائي، فإذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاه أعلم بها كيف الطريق.

(قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج، فإذا أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين). ثم قال تعالى: (ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل)، يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت، فأيهما قضيت فلا عدوان على والله على مقالتنا سامع وشاهد، ووكيل علي وعليك، ومع هذا فلم يقض إلا أكمل الأجلين وأتمهما وهو العشر سنين كوامل تامة. فلما أراد فراق شعيب سأل امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه، من ما له لون من ولد ذلك العام، وكانت غنمه سوداء حساناً، فانطلق موسى عليه السلام إلي عصا قسمها من طرفها ثم وضعها في أدنى الحوض، ثم أوردها فسقاها. قالوا: واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة، وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلي السلوك في الدرب المألوف، وجعل يوري زناده فلا يوري شيئاً، واشتد الظلام والبرد.

فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد ناراً تأجج في جانب الطور ـ وهو الجبل الغربي منه عن يمينه ـ (فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً) وكأنه، والله أعلم، رآها دونهم؛ لأن هذه النار هي نور الحقيقة، ولا يصلح رؤيتها لكل أحد، (لعلى آتيكم منها بخير) أي: لعلى استعلم من عندها عن الطريق (أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة ومظلمة. لقوله: في الآية الأخرى:

{ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى***1648; } * { إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ***1649;مْكُثُو***1764;اْ إِنِّي***1764; آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي***1764; آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ***1649;لنَّارِ هُدًى } (سورة طه:9ـ10) .

فدل على وجود الظلام وكونهم تاهوا عن الطريق، وجمع الكل في قوله في النمل:

{ إِذْ قَالَ مُوسَى***1648; لأَهْلِهِ إِنِّي***1764; آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } (سورة النمل:7) .

وقد أتاهم منها بخبر وأي خبر، ووجد عندها هدى وأي هدى، واقتبس منها نوراً وأي نور؟!. قال الله تعالى:
{ فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ***1649;لْوَادِي ***1649;لأَيْمَنِ فِي ***1649;لْبُقْعَةِ ***1649;لْمُبَارَكَةِ مِنَ ***1649;لشَّجَرَةِ أَن ي***1648;مُوسَى***1648; إِنِّي***1764; أَنَا ***1649;للَّهُ رَبُّ ***1649;لْعَالَمِينَ }

( سورة القصص : 30) .

أي: أنا رب العالمين الذي لا إله إلا هو، الذي لا تصلح العبادة وإقامة الصلاة إلا له. ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وإنما الدار الباقية يوم القيامة، التي لابد من كونها ووجودها (لتجزي كل نفس بما تسعى) أي: من خير وشر، وحضه وحثه على العمل لها ومجانبة من لا يؤمن بها ممن عصى مولاه واتبع هواه، ثم قال مخاطباً ومؤانساً ومبيناً له أنه القادر على كل شيء، الذي يقول للشيء كن فيكون:

{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ي***1648;مُوسَى***1648; } (سورة طه:17) .

أي: أما هذه عصاك التي تعرفها منذ صحبتها

{ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى***1648; غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى***1648; } (سورة طه:18) .

أي: بلى هذه عصاي التي أعرفها وأتحققها،

{ قَالَ أَلْقِهَا ي***1648;مُوسَى***1648; } * { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى***1648; } (سورة طه:19ـ20) .

فلما رجع أمره الله تعالى أن يمسكها (قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) فيقال: إنه هابطها شديداً، فوضع يده في كم مدرعته، ثم وضع يده في وسط فمها. وعند أهل الكتاب: أمسك بذنبها، فلما استمكن منها إذا هي قد عادت كما كانت عصاً ذات شعبتين، فسبحان القدير العظيم، رب المشرقين والمغربين!. ثم أمره تعالى بإدخال يده في جيبه، ثم أمره بنزعها فإذا هي تتلألأ كالقمر بياضاً من غير سوء، أي: من غير برص ولا بهق، ولهذا قال:

{ ***1649;سْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُو***1764;ءٍ وَ***1649;ضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ***1649;لرَّهْبِ } (سورة القصص:32) .

قيل معناه: إذا خفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك. والمقصود أن الله سبحانه وتعالى لما أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلي فرعون

{ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي***1764; أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ***1649;تَّبَعَكُمَا ***1649;لْغَالِبُونَ } (سورة القصص:33ـ35) .

قال الله تعالى مجيباً إلي سؤاله: (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً) أي: برهاناً (فلا يصلون إليكما) أي: فلا ينالون منكما مكروهاً بسبب قيامكما بآياتنا، وقيل ببركة آياتنا (أنتما ومن اتبعكما الغالبون).

وقال في سورة طه:

{ ***1649;ذْهَبْ إِلَى***1648; فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى***1648; } * { قَالَ رَبِّ ***1649;شْرَحْ لِي صَدْرِي } * { وَيَسِّرْ لِي***1764; أَمْرِي } * { وَ***1649;حْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } * { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } (سورة طه:24ـ28) .

قيل: إنه أصابه في لسانه لثغة، بسبب تلك الجمرة التي وضعها على لسانه، والتي كان فرعون أراد اختبار عقله، حين أخذ بلحيته وهو صغير، فهم بقتله، فخافت عليه آسية، وقالت: إنه طفل، فاختبره بوضع تمرة وجمرة بين يديه فهم بأخذ التمرة فصرف الملك يده إلي الجمرة، فأخذها فوضعها على لسانه فأصابه لثغة بسببها؛ فسأل زوال بعضها بمقدار ما يفهمون قوله: ولم يسأل زوالها بالكلية.

فأتياه فقالا له ذلك، وبلغاه ما أرسلا به من دعوته إلي عباد الله تعالى وحده لا شريك لك، وأنه يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته، ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاءوا، ويتفرغون لتوحيده ودعائه والتضرع لديه. فتكبر فرعون في نفسه وعتا وطغى، ونظر إلي موسى بعين الازدراء والتنقص قائلاً له: (ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين؟) أي: أما أنت الذي ربيناه في منزلنا، وأحسنا إليه، وأنعمنا عليه مدة من الدهر؟.

وقوله:

{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ***1649;لَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ***1649;لْكَافِرِينَ } (سورة الشعراء:19) .

أي: وقتلت الرجل القبطي، وفررت منا، وجحدت نعمتنا.

{ قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ***1649;لضَّالِّينَ } (سورة الشعراء:20) .

أي: قبل أن يوحي إلي وينزل على

{ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ***1649;لْمُرْسَلِينَ } (سورة الشعراء:21) .

ثم قال مجيباً لفرعون عما امتن به من التربية والإحسان إليه:

{ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } (سورة الشعراء:22) .

أي: وهذه النعمة التي ذكرت؛ من أنك أحسنت إلي وأنا رجل واحد من بني إسرائيل تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم بكماله، واستعبدتهم في أعمالك وخدمتك وأشغالك.

{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ***1649;لْعَالَمِينَ } * { قَالَ رَبُّ ***1649;لسَّمَ***1648;وَ***1648;تِ وَ***1649;لأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } * { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } * { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ***1649;لأَوَّلِينَ } * { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ***1649;لَّذِي***1764; أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } * { قَالَ رَبُّ ***1649;لْمَشْرِقِ وَ***1649;لْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } (سورة الشعراء:23 - 28) .

فلما قامت الحجج على فرعون، وانقطعت شبهه، ولم يبق له قول سوى العناد، عدل إلي استعمال سلطانه وجاهه وسطوته.

{ قَالَ لَئِنِ ***1649;تَّخَذْتَ إِلَـ***1648;هَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ***1649;لْمَسْجُونِينَ } * { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } * { قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ***1649;لصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَى***1648; عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } (سورة الشعراء:29ـ33) .

وهذان هما الرهانان اللذان أيده الله بهما، وهما العصا واليد، وذلك مقام أظهر فيه الخارق العظيم، الذي بهر العقول والأبصار، حين ألقى عصاه، فإذا هي ثعبان مبين، أي: عظيم الشكل، بديع في الضخامة والهول، والمنظر العظيم الفظيع الباهر، حتى قيل: إن فرعون لما شاهد ذلك وعاينه، أخذه رعب شديد وخوف عظيم، بحيث إنه حصل له إسهال عظيم أكثر من أربعين مرة في يوم، وكان قبل ذلك لا يتبرز في كل أربعين يوماً إلا مرة واحدة، فانعكس عليه الحال.

وهكذا لما أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه واستخرجها، أخرجها وهي كفلقة القمر تتلألأ نوراً يبهر الأبصار، فإذا أعادها إلي جيبه واستخرجها رجعت إلي صفتها الأولى. ومع هذا كله لم ينتفع فرعون ـ لعنة الله عليه ـ بشيء من ذلك، بل استمر على ما هو عليه، وأظهر أن هذا كله سحر، وأراد معارضته بالسحرة، فأرسل يجمعهم من سائر مملكته، ومن هم في رعيته وتحت قهره ودولته، ثم حضوا بعضكم بعضاً على التقدم في هذا المقام؛ لأن فرعون قد وعدهم ومناهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.

{ قَالُواْ ي***1648;مُوسَى***1648; إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى***1648; } * { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى***1648; } * { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى***1648; } * { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ***1649;لأَعْلَى***1648; } * { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُو***1764;اْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ***1649;لسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى***1648; } (سورة طه:65ـ69) .

لما اصطف السحرة، ووقف موسى وهارون عليهما السلام تجاههم، قالوا له: إما أن تلقي قبلنا، وإما أن نلقي قبلك (قال بل ألقوا) أنتم، وكانوا قد عمدوا إلي حبال وعصى فأودعوها الزئبق وغيره من الآلات التي تضطرب بسببها تلك الحبال والعصي اضطراباً يخيل للرائي أنها تسعى باختيارها، وإنما تتحرك بسبب ذلك، فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم، وألقوا حبالهم وعصيهم، وهم يقولون:

{ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ***1649;لْغَالِبُونَ } (سورة الشعراء:44) .

وذلك أن موسى عليه السلام لما ألقاها، صارت حية عظيمة ذات قوائم، فيما ذكره غير واحد من علماء السلف، وعنق عظيم وشكل هائل مزعج، بحيث إن الناس انحازوا منها وهربوا سراعاً، وتأخروا عن مكانها وأقبلت هي على ما ألقوه من الحبال والعصي، فجعلت تلقفه واحداً واحداً في أسرع ما يكون من الحركة، والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها، وأما السحرة فإنهم رأوا ما هالهم وحيرهم في أمرهم واطلعوا على أمر لم يكن في خلدهم ولا بالهم ولا يدخل تحت صناعتهم وأشغالهم، فعند ذلك وهنالك تحققوا بما عندهم من العلم أن هذا ليس بسحر ولا شعوذة، ولا محال ولا خيال، ولا زور ولا بهتان ولا ضلال؛ بل حق لا يقدر عليه إلا الحق؛ الذي ابتعث هذا المؤيد به بالحق، وكشف الله عن قلوبهم غشاوة الغفلة، وأنارها بما خلق فيها من الهدى، وأزاح عنها القساوة، وأنابوا إلي ربهم وخروا له ساجدين، وقالوا جهرة للحاضرين، ولم يخشوا عقوبة ولا بلوى: (آمنا برب هارون وموسى).

قال سعيد بن جبير وعكرمة والقاسم بن أبي بردة والأوزاعي وغيرهم: لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة تهيأ لهم، وتزخرف لقدومهم، ولهذا لم يلتفتوا إلي تهويل فرعون وتهديده ووعيده.
وذلك لأن فرعون لما رأى هؤلاء السحرة قد أسلموا وأشهروا ذكر موسى وهارون في الناس على هذه الصفة الجميلة، أفزعه ذلك، ورأى أمراً بهره، وأعمى بصيرته وبصره، وكان فيه كيد ومكر وخداع، وصنعة بليغة في الصد عن سبيل الله، فقال مخاطباً للسحرة بحضرة الناس: (آمنتم له قبل أن آذن لكم) أي: هلا شاورتموني فيما صنعتم من الأمر الفظيع بحضرة رعيتي؟! ثم تهدد وتوعد وأبرق وأرعد، وكذب فأبعد قائلاً: (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر). والمقصود أن فرعون كذب وافترى وكفر غاية الكفر في قوله: (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) وأتى ببهتان يعلمه العالمون بل العالمون في قوله:

{ إِنَّ هَـ***1648;ذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ***1649;لْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } (سورة الأعراف:123).

وقوله: (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) يعني: يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وعكسه،

{ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } (سورة الأعراف:124) .

أي: ليجعلهم مثلة ونكالاً لئلا يقتدي بهم أحد من رعيته، وأهل ملته، ولهذا قال: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي:

لى جذوع النخل، لأنها أعلى وأشهر

{ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى***1648; } (سورة طه:71) .

يعني: في الدنيا.

{ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى***1648; مَا جَآءَنَا مِنَ ***1649;لْبَيِّنَاتِ } (سورة طه:72) .

أي: لن نطيعك ونترك ما وقر في قلوبنا من البينات والدلائل القاطعات (والذي فطرنا) قيل: معطوف، وقيل قسم (فاقض ما أنت قاض) أي: فافعل ما قدرت عليه (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) أي: إنما حكمك علينا في هذه الحياة الدنيا، فإذا انتقلنا منها إلي الدار الآخرة صرنا إلي حكم الذي أسلمنا له واتبعنا رسله،

{ إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ***1649;لسِّحْرِ وَ***1649;للَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى***1648; } (سورة طه:73) .

أي: وثوابه خير مما وعدتنا به من التقريب والترغيب، (وأبقى) أي: وأدوم من هذه الدار الفانية، وفي الآية الأخرى:

{ قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إِلَى***1648; رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } * { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ } (سورة الشعراء:50ـ51) .

أي: ما اجترمناه من المآثم والمحارم

{ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ***1649;لْمُؤْمِنِينَ } (سورة الشعراء: 51) .

أي: من القبط، بموسى وهارون عليهما السلام.

والظاهر من هذه السياقات أن فرعون ـ لعنه الله ـ صلبهم وعذبهم رضي الله عنهم قال عبد الله بن عباس وعبيد بن عمير: كانوا من أول النهار سحرة، فصاروا من آخره شهداء بررة!. ويؤيد هذا قولهم:

{ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } (سورة الأعراف:126) .

قال المفسرون وغيرهم من أهل الكتاب: استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلي عيد لهم، فأذن لهم وهو كاره، ولكنهم تجهزوا للخروج وتأهبوا له، وإنما كان في نفس الأمر مكيدة بفرعون وجنوده، ليتخلصوا منهم ويخرجوا عنهم. وأمرهم الله تعالى ـ فيما ذكره أهل الكتاب ـ أن يستعيروا حلياً منهم، فأعاروهم شيئاً كثيراً، فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم، طالبين بلاد الشام، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق، واشتد غضبه عليهم، وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوده ليلحقهم ويمحقهم.

قال الله تعالى:

{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَى***1648; مُوسَى***1648; أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي***1764; إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ } * { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ***1649;لْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { إِنَّ هَـ***1648;ؤُلا***1764;ءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } * { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } * { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } * { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي***1764; إِسْرَائِيلَ }*{ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } * { فَلَمَّا تَرَاءَى ***1649;لْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى***1648; إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } * { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } * { فَأَوْحَيْنَآ إِلَى***1648; مُوسَى***1648; أَنِ ***1649;ضْرِب بِّعَصَاكَ ***1649;لْبَحْرَ فَ***1649;نفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَ***1649;لطَّوْدِ ***1649;لْعَظِيمِ } * { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ***1649;لآخَرِينَ } * { وَأَنجَيْنَا مُوسَى***1648; وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ***1649;لآخَرِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ***1649;لْعَزِيزُ ***1649;لرَّحِيمُ } (سورة الشعراء:52ـ68) .

قال علماء التفسير: لما ركب فرعون في جنوده، طالباً بني إسرائيل يقفو أثرهم، كان في جيش كثيف عرمرم ، حتى قيل: كان في خيوله مائة ألف فحل أدهم، وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وستمائة ألف. فالله أعلم. والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود، فأدركهم عند شروق الشمس، وتراءى الجمعان ولم يبق ثم ريب ولا لبس، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه، ولم يبق إلا المقاتلة والمجادلة والمحاماة، فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون: (إنا لمدركون) وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلي البحر فليس لهم طريق ولا محيد إلا سلوكه وخوضه، وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه، والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم وهي شاهقة منيفة، وفرعون قد غالقهم وواجههم، وعاينوه في جنوده وديوشه وعدده وعدته، وهم منه في غاية الخوف والذعر، لما قاسوا في سلطانه من الإهانة والمكر.

فلما تفاقم الأمر، وضاق الحال، واشتد الأمر، واقترب فرعون وجنوده في جدهم وحدهم وحديدهم، وغضبهم وحنقهم، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، فعند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير، رب العرش الكريم، إلي موسى الكليم: (أن اضرب بعصاك البحر)، فلما ضربه يقال إنه قال له: انفلق بإذن الله، ويقال: إنه كناه بأبي خالد، فالله أعلم.

قال الله تعالى: (فأوحينا إلي موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فريق كالطود العظيم)، ويقال: إنه انفلق اثنتي عشرة طريقاً، لكل سبط طريق يسيرون فيه، حتى قيل: إنه طار فيه أيضاً شبابيك ليرى بعضهم بعضاً! وفي هذا نظر؛ لأن الماء جرم شفاف إذا كان من ورائه ضياء حكاه.

فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه، لئلا يكون لفرعون وجنوده وصول إليه، ولا سبيل عليه، فأمره القدير ذو الجلال أن يترك البحر على هذه الحال، كما قال وهو الصادق في المقال:

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } * { أَنْ أَدُّو***1764;اْ إِلَيَّ عِبَادَ ***1649;للَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ***1649;للَّهِ إِنِّي***1764; آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } * { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَ***1649;عْتَزِلُونِ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـ***1648;ؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } * { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } * { وَ***1649;تْرُكِ ***1649;لْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } * { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } * { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ***1649;لسَّمَآءُ وَ***1649;لأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } * { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي***1764; إِسْرَائِيلَ مِنَ ***1649;لْعَذَابِ ***1649;لْمُهِينِ } * { مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ***1649;لْمُسْرِفِينَ } * { وَلَقَدِ ***1649;خْتَرْنَاهُمْ عَلَى***1648; عِلْمٍ عَلَى ***1649;لْعَالَمِينَ } * { وَآتَيْنَاهُم مِّنَ ***1649;لآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ } (سورة الدخان:17ـ33) .

فقوله تعالى: (واترك البحر رهواً) أي: ساكناً على هيئته، لا تغيره عن هذه الصفة، قاله عبد الله بن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع والضحاك وقتادة وكعب الأحبار وسماك بن حرب وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم. فلما تركه على هيئته وحالته وانتهى فرعون، فرأى ما رأى وعاين ما عاين، هاله هذا المنظر العظيم، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب العرش الكريم، فأحجم ولم يتقدم، وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه حيث لا ينفعه الندم، لكنه أظهر لجنوده تجلداً وعاملهم معاملة العداء، وحملته النفس الكافرة والسجية الفاجرة، على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه، وعلى باطله تابعوه: انظروا كيف انحسر البحر لأدرك عبيدي الآبقين من يدي، الخارجين عن طاعتي وبلدي؟ وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم، ويرجو أن ينجو هيهات، ويقدم تارة ولكنه يحجم تارات!.

فذكروا أن جيريل عليه السلام تبدى في صورة فارس راكب على رمكة حائل، فمر بين يدي فحل فرعون لعنه الله، فحمحم إليها وأقبل عليها، وأسرع جبريل بين يديه فاقتحم البحر، واستبق الجواد وقد أجاد، فبادر مسرعاً، هذا فرعون لا يملك من نفسه شيئاً، ولا لنفسه ضراً ولا نفعاً، فلما رأته الجنود قد سلك البحر اقتحموا وراءه مسرعين، فحصلوا البحر أجمعين أكتعين أبصعين. حتى هم أولهم بالخروج منه، فعند ذلك أمر الله تعالى كليمه فيما أوحاه إليه أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فارتطم عليهم البحر كما كان، فلم ينج منهم إنسان.

قال الله تعالى:

{ وَأَنجَيْنَا مُوسَى***1648; وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ***1649;لآخَرِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ***1649;لْعَزِيزُ ***1649;لرَّحِيمُ } (سورة الشعراء:65ـ68) .

أي: في إنجائه أولياءه فلم يغرق منهم أحد، وإغراقه أعداءه فلم يخلص منهم أحد، آية عظيمة وبرهان قاطع على قدرته تعالى العظيمة، وصدق رسوله فيما جاء به من ربه من الشريعة الكريمة والمناهج المستقيمة






التوقيع



رد مع اقتباس