عرض مشاركة واحدة
قديم 06-08-2009, 09:19 AM   #106
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

وهو أمر لم أكن أريد التطرق إليه الآن... وأفكاري غير مرتبة... وجسمي منهك... وأعرف أنه موضوع إن فُتح سيجر خلفه مواضيع لا طاقة لنا بها هذه الساعة, لذا تظاهرت بالنعاس وتثاءبت وقلت وأنا أقف:
"سأفكر لاحقا... أشعر بالنعاس... سأقيل قليلا"
وغادرت الغرفة.
ذهبت إلى الغرفة التي خصصتها دانة لي, واضطجعت على السرير... وتدثرت بكل الألحفة والبطانيات المفروشة فوقه, ناشدا الدفء الذي حصلت عليه... في هذا الجو البارد... في هذه البلدة الغريبة... في هذه الغرفة النائية... كان مصدره المحفظة التي تنام تحت وسادتي...
أشلاء صورة رغد...

************

تغمرني سعادة لا توصف... وأنا أواصل دمج الألوان في لوحة وليد الأخيرة... وأتذكر وجوده من حولي... وأطلق زفرات الارتياح...
تناولنا الفطور والغداء معا هذا اليوم... صحيح أن وليد لم يشاركنا الأكل بسبب معدته, لكنه شاركنا الجلوس حول المائدة والأحاديث المختلفة... وعلمت أنه كان راقدا في المستشفى منذ فارقنا وحتى وافانا بسبب نزيف قرحة معدته... وأنه خضع لعملية جراحية لعلاجها وهي حقيقة أخفاها سامر عني طيلة الوقت...
وليد قلبي بدا مريضا بالفعل... شاحب اللون وفاقد الحيوية ومنطفئ البريق الذي كان يشع من عينيه... لكن الأهم أنه معنا الآن... وفي أمان...
عند العصر سمعت صوت دانة تناديني من خلف الباب:
"رغد تعالي لتناول الكعك معنا... نحن في الصالة"
فرددت بسرور ومباشرة:
"قادمة"
وتركت فرشاتي وانطلقت تسبقني سعادتي إلى الصالة, حيث كان أبناء عمي الثلاثة يجلسون... اقتربت منهم واتخذت مجلسي بجوار دانة, واخترت أكبر قطعة من الكعك... وبدأت في تناولها باستمتاع...
دانة ماهرة في صنع الكعك كما تعلمون... أما أنا فماهرة في التهامه!
راقبت وليد خلسة فلاحظت أنه يكتفي بشرب الماء من الكأس الموضوع أمامه, ولا يلمس الكعك...
قلت:
"إنها لذيذة وخفيفة وليد"
فأجاب وهو يبتسم:
"لا شك عندي... لكن معدتي لن تتحمل"
قالت دانة:
"جرب قضمة واحدة صغيرة... هيا وليد... من أجلي"
فكرر وليد اعتذاره وقال:
"إن اشتعلت هذه فلا شيء يطفئها"
وهو يشير إلى معدته, أحسست بالألم والقلق لأجله... وأنا متأكدة أن ما هيّج قرحته وسبب نزيفها هو الضرب الوحشي الذي تلقاه على أيدي وأرجل العساكر الوحوش... تلك الليلة...
تذكر تلك الليلة... جعل يدي ترتجف, وتُوقعُ الشوكة من بين أصابعي...

نظرت على وليد وشعرت وكأنه قرأ الذكريات التي مرت في مخيلتي... فقلت لا شعوريا بصوت هامس:
"الحمد لله... أنك هنا الآن"
وكأن أحدا لم يسمع ما قلت, فسألت دانة:
"عفوا؟؟"
فانحنيت لالتقاط شوكتي وأنا أقول مغيرة الموضوع:
"ما رأيك في المنزل وليد...؟ أليس رائعا؟؟ دانة تتصرف كملكة فيه!"
فنظرت دانة إلي بتباه وقالت مداعبة:
"أنا بالفعل ملكة هنا! كل هذا تحت تصرفي!"
فقال وليد مبتسما:
"هنيئا لك"
فقالت دانة:
"وأنتم كذلك... اطلبوا ما تشاؤون"
فقال سامر بعد أن ابتلع آخر قطعة في فمه:
"لا عدمناك... يكفينا هذا الجناح مؤقتا إلى أن نشتري منزلا أو شقة"
والتفتَ إلى وليد يطلب تأكيد كلامه, فقال الأخير:
"نعم. وسنعمل على ذلك عاجلا"
فقالت دانة مستاءة:
"هراء! تبحثون عن منزل ولدينا كل هذا؟؟"
فرد وليد:
"بارك الله فيكم... ولكن لا بد من منزل مستقل... إن عاجلا أم آجلا"
فقالت دانة مخاطبة إياه بحنق:
"وكأن منزلنا لا يتسع لكم! سآمر الخدم بتنظيف وإعداد كل الغرف التابعة لهذا الجناح وننقل غرفة نومك إلى أي غرفة تختارها يا وليد... سيكون هذا الجناح منزلكم"
فقال وليد:
"أرجوك... لا تتكبدوا العناء... الجناح هكذا يفي بالغرض لحين شراء مسكن مستقل ينتقلان إليه... أنا هنا مؤقتا على كل حال"
الجملة أربكتني وجعلتني أحملق في وليد... ثم أسأله:
"ماذا تعني؟؟"
وتنقلت بأنظاري إلى سامر و دانة, ورأيتهما يحملقان في وليد أيضا...
وليد لم يتكلم لأنه شعر بأن الأعين تتربص به... بل بدا مرتبكا وكأن الجملة قد انفلتت من لسانه دون قصد ولم يستطع استدراكها... أعدت سؤالي:
"ماذا تعني... وليد؟؟"
فإذا به يتأتئ ويمسح على جبينه ثم يرد أخيرا:
"آه... أعني... أنني سأعود إلى الوطن عاجلا..."
شهقت وترددت بأنظاري بين وليد وسامر و دانة ثم قلت وغير مصدقة:
" تمزح وليد... ألست تمزح؟؟!!"
فابتسم بقلة حيلة وقال:
"لا أمزح! أعني أنني... أنا هنا... لأطمئن عليكم ثلاثتكم وها قد اطمأننت ولا بد من العودة"
أخذ التوتر يتفاقم على وجهي ولاحظ الجميع ذلك... ثم قلت والكلمة لا تكاد تخرج من ثغري:
"و... وأنا...؟؟"
فتبادل الجميع النظرات... ثم تسلطت أعيينا على وليد الذي لم ينطق مباشرة... كان مترددا غير أنه في النهاية قال:
"ستبقين هنا يا رغد"
لما لاحظ سامر الهلع يجتاح قسمات وجهي قال مخاطبا وليد ومحاولا تلطيف وقع النبأ:
"لكن... لن تسافر بهذه السرعة... تعني بعد بضعة أسابيع؟..."
فالتفتَ إليه وليد وقال:
"بضعة أيام لا أكثر... تعرفون... لدي زوجة في انتظاري"
عند هذا الحد... وشعرت برغبة مفاجئة في التقيؤ... فوقفت بسرعة وأنا أسد فمي بيدي وهرولت إلى دورة المياه...
عندما خرجت من الحمام –أكرمكم الله- وجدت دانة تقف في الجوار في قلق... وسألتني:
"أأنت بخير؟؟"
ولم أجب.
فأضافت:
"هل كانت الكعكة سيئة أو ماذا؟؟"
التفتُ إليها وقلت:
"ألم تسمعي ما قال؟ يريد العودة إلى الوطن... بعد كل الذي تكبدنا من أجل الفرار... إنه يريد العودة إلى الخطر"
بدا على دانة تفهم مشاعري... ثم قالت:
"لم يقرر... بل يفكر"
قلت بعصبية:
"كيف يفكر في العودة إلى الجحيم؟؟ ألم يكفه ما فعلوا به؟؟ ألا يكفي هذا؟؟"
وذهبت منزعجة إلى غرفتي... و انعزلت فيها لبعض الوقت.

************

"ما كان يجب أن تذكر هذا الآن"
قال سامر يخاطبني بشيء من اللوم... وأنا أدرك أنني فاجأت الجميع بما قلت.. فلم أعلّق. فتابع هو:
"تذكر عودتك العاجلة إلى الوطن... وإلى زوجتك... وأنت بالكاد وصلت البارحة!؟ إنها... كانت قلقة عليك حد المرض"
مشيرا إلى رغد
صمتٌ قليلا ثم قلت:
"ولكن... في الحقيقة هذا ما يجب أن يحصل عاجلا"
نظر إليّ أخي نظرة لم أفهم معناها, أو بالأحرى... لم أرد أن أفهمها... ثم إذا به يقول:
"إذن... إذن... لن تقيم معنا ها هنا؟؟"
وهذا السؤال كان يشغل بال شقيقي منذ الصباح أو ربما منذ زمن... وأعرف ما خلفه...
قلت:
"وأترك زوجتي... وعملي... هناك؟؟!"
أراد سامر قول شيء لكنه تردد... أنا أعرف ما الذي تريد الوصول إليه يا سامر... لكن أرجوك... دعني أسترخي ليوم آخر... ولا تشغل بالي وتشعل النار في داخلي الآن...
أخيرا قال سامر:
"و... والمنزل؟؟ هل سنقيم فيه أنا ورغد بمفردنا؟؟"
وكأنه يستل خنجرا من صدري... آه... كم أتألم...
عضضت على أسناني لأمتص بعض الألم... ثم قلت محاولا الهروب:
"لكل حدث حديث... ننتظر شراء المنزل أولا"
وكانت محاولة فاشلة... إذ إن سامر عاد يسأل:
"وإذا حصلنا على المنزل غدا...؟؟ فهل.."
ولم يتم السؤال...
مسحت على وجهي مضطربا ونظرت يمينا ويسارا باحثا عن مهرب... ثم عدت إلى أخي فرأيته ينظر إليّ باهتمام وقلق... ينتظر ردي...
مددت يدي وربت على كتفيه بعطف... وقلت والدماء تحتقن في وجهي: "لا تستعجل... تريث قليلا... ودعنا نلتقط بعض الأنفاس... أنا مرهق جدا..."
وما كان من أخي إلا أن أومأ تفهما وأغلق الحوار...
وفي المساء... على مائدة العشاء... والتي التففنا حولها نحن الثلاثة, أنا وشقيقي وابنة عمي... تحركت أيدينا بالملاعق, بينما أفواهنا صامتة عن الكلام... كان الوجوم مخيما على وجه رغد... الذي صار كتابا متقلب الحروف والرموز... يشغلني فكُ طلاسمه...
وفيما أنا أتناول حسائي البارد ببطء وأرسل النظرات إليها بين الفينة والأخرى,كانت هي محملقة في طبقها تتحاشى النظر باتجاهي...
أما سامر... فكان يتظاهر بالاهتمام بالمباراة التي تعرض على التلفاز والتي يشارك فيها نوّار...
"الحمد لله"
قالتها رغد ووقفت هامّة بالمغادرة... وأطباقها بالكاد لُمست...
قلت:
"إلى أين؟؟ لم تنهي عشاءك"
قالت دون أن تنظر إلي:
"اكتفيت"
فقلت:
"اجلسي يا رغد... وأتمّي عشاءك"
هنا نظرت إليّ... نظرة حزينة مؤلمة...فيها العتاب واللوم... والرجاء واليأس سوية...
همست:
"رغد..."






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس