عرض مشاركة واحدة
قديم 06-08-2009, 09:15 AM   #104
بيادر الحب
المراقب العــام
الصورة الرمزية بيادر الحب

المعلومات





آحدث المواضيع


الاتصال

بيادر الحب غير متصل

بيادر الحب تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: [ أنت لي ] رواية جميلة للكاتبة / تمرحنا

ولم يكن قد سبق لرغد وأن طلبت شيئا كهذا ولم تكن تبوح بحنينها لوالديها أو تعبر عن أي مشاعر تكنها لهما... منذ كانت طفلة صغيرة... على الأقل هذا ما اعتقده...
أضافت دانة بأسى:
"لو أننا نعلم أين وليد الآن... إلى متى سنظل نجهل مصيره؟؟"
أشرت إليها أن تخفض صوتها... لئلا يصل إلى مسامع رغد وصمتٌ لبرهة ثم قلت هامسا وأنا أعقد العزم:
"سأذهب للبحث عنه بنفسي"
عندها تلاشت العتمة الرمادية عن وجه دانة وحل التوهج الأحمر على وجنتيها وقالت:
"تذهب أنت؟؟ لا! مستحيل"
فقلت:
"لا بد من ذلك يا دانة"
فإذا بها تمسك بذراعي وتهز رأسها اعتراضا وتقول منفعلة:
"كلا... لن أدعك تذهب يا سامر... الآن لدي أخ واحد موجود, هل تريد أن أفقدكما أنتما الاثنين؟؟"
فقلت:
"ولكن يا دانة"
ولم تدع لي المجال لإتمام الجملة بل أسندت رأسها إلى كتفي وقالت:
"لا تفكر يا سامر... أنا ما كدت أصدق... أنك معي الآن... ما أحوجنا... أنا ورغد إليك... أنت من تبقى لنا من العائلة... أرجوك لا تفكر في الذهاب"
علاقتي بشقيقتي دانة كانت قوية جدا منذ الصغر... كنا صديقين حميمين... وكنت أعتبرها أقرب الناس إلي... وكانت الوحيدة التي أبث لها بهمومي وأشكو إليها مخاوفي.
والآن... بعد اجتماعنا من جديد عقب كل ذلك الفراق, استعادت علاقتنا حرارتها ومتانتها... وأخبرتها بتفاصيل ما حصل معي ومع المنظمة... والشرطة... وبكل ما مر بي منذ ليلة زواجها وحتى الآن... بل وحتى عن العملية التي أُكريت لجفني... وعملية الاغتيال الفاشلة التي شاركت فيها... والمؤامرات التي حكناها وكنا على وشك تنفيذها...
وحالة اليأس التي اعترتني لدى فقد أحبتي... ورغبتي في الانتقام لمقتل والديّ... تفاصيل كثيرة ومريرة... أعارتني لسماعها الأذن الصاغية.. والصدر الرحب.. والقلب الحنون.. كعادتها دوما... ما ضاعف شعوري بالندم والخجل من أفعالي...
مسحت على رأسها مؤازرا... فنظرت إلي ببعض الرضا ثم قالت:
"كما أنني لا أستطيع تحمل مسؤولية رغد... تعرف أنه لا طاقة لي بمزاجها في الوضع الطبيعي, فكيف بها وهي في هذه الحال؟؟"
شردت قليلا.. وتذكرت شقيقي في يوم فرارنا... وهو يوصني برغد ويحذرني من الابتعاد عنها مهما حصل... وغزت ابتسامة ساخرة واهية زاوية فمي اليمنى... لاحظتها دانة فسألت:
"ما الأمر؟؟"
فأجبت:
"تذكرت وليد... وهو يوصيني على رغد... كأنه كان يعرف... أنه لن يواصل الطريق معنا"
وشردت برهة ثم تابعت:
"كانت آخر كلماته لي: (إنها أمانتك أنت الآن) ..."
وأسندت رأسي إلى الجدار ونظرت للأعلى وخاطبت وليد الغائب في سري:
(هذه الأمانة... لا تريدني أنا يا وليد... بل تريدك أنت)
ثم صفعت برأسي في الجدار بمرارة...
عدت أدراجي إلى غرفة نومي... وما إن دخلتها, حتى سمعت صوت هاتفي يرن...أسرعت إليه متمنيا أن يحمل الاتصال خبرا جيدا... كان المتصل هو سيف الحازم... صديق وليد المقرب... يخبرني وللعجب والدهشة... أنه مع وليد الآن... في البلدة المجاورة لبلدتنا... في إحدى المستشفيات...

************

منذ أن تلقيت اتصاله يوم الجمعة هرعت إلى وليد... أنا مع والدي مسافرين برا إلى المدينة المجاورة. وليد كان معتقلا لدى سلطات البلدة لتورطه بقضية حمل سلاح بدون ترخيص. لم نحصل منه على تفاصيل عبر الهاتف ولدى وصولنا فوجئنا بمن يبلغنا بأنه قد نقل تحت الحراسة إلى إحدى المستشفيات نتيجة تدهور وضعه الصحي المفاجئ...
مفاجآت وليد هذه لا تنتهي ولم تكن لتخطر لأحد على بال...
تولى والدي-وهو محام كبير كما تعرفون- أمر القضية وحصلنا على إذن رسمي بزيارته داخل المستشفى يوم الاثنين. قابلنا الأطباء وسألناهم عن وضعه قبل زيارته فأخبرونا بأنه كان لديه نزيف حاد في معدته وتمزق في جدارها والتهاب شديد في أنسجة البطن... وأنهم اضطروا لإدخاله إلى غرفة العمليات وإجراء عملية عاجلة له... وإعطائه كمية كبيرة من الدماء...
تعلمون أن وليد يشكو منذ زمن من قرحة في المعدة ويظهر أنها اشتدت وتمزقت ونزفت بغزارة...
هذا تفسير معقول...
لكن الغير معقول والغير مصدق... هو ما قالوه أيضا... أنهم وجدوا علامات على جسده تشير إلى أنه تعرض للضرب أو التعذيب الشديد قبل ساعات من فحصه...
أما الأشد غرابة فهي ورطة السلاح... وهذا السفر المفاجئ لوليد... والغموض الشديد الذي يغلف القضية...
دخلنا غرفة وليد يسبقنا فضلونا للاطمئنان عليه ومعرفة التفاصيل... لكن ما إن وقعت أعيينا عليه حتى أطبقت على فمي كي لا أطلق شهقة قوية تثير بلبلة من حولي... وحملقت فيه مذهولا... وكذلك فعل والدي.
اقتربنا من سريره بخطى مترددة... إذ أننا لم نتيقن من كون هذا المريض هو بالفعل وليد... وأن القضية كلها ليست تشابه أسماء أو سوء فهم...
رباه... أحقا هذا وليد؟؟
اللهم نسألك اللطف والرحمة...
كان مغمض العينين, ربما نائم... ربما فاقد الوعي... أو ربما أسوأ من ذلك. جسمه ملفوف بالضماد في عدة مواضع والعديد من الأجهزة موصلة به. جهاز يراقب نبض القلب, جهاز يكشف مستوى الأوكسجين, جهاز يقيس ضغط الدم... وقارورة دم معلقة قربه... تقطر دما متدفقا عبر الأنابيب إلى وريده... كان يبدو مزريا... وكانت هناك ممرضة قابعة بجواره تراقب شاشات الأجهزة وأخرى تقف في الجانب الآخر وتعمل على تنظيف ما ظهر لنا أنه جرح في البطن. الغرفة تعبق برائحة الأدوية والمطهرات... ويدوي فيها طنين الأجهزة كأنه صفارة إنذار بالخطر...
اهتز قلبنا لدى مشاهدة المنظر وتبادلنا نظرات الاستغراب والأسف.
عندما نزعت الممرضة الضمادات عن الجرح رأينا حركة تصدر من الجسم الممدد على السرير تحت اسم صديقي وليد... قفزت أعيننا نحو عينيه ولكنه لم يفتحهما... بل حرك يده على السرير وكأنه يعتصر ألما...
قالت الممرضة:
"اصبر قليلا"
ثم نظرت الممرضة الأخرى إلى ساعة يدها وقالت:
"إنه موعد المسكن على أية حال"
وحقنت دواء ما عبر أنبوب المصل المغروس في ذراع وليد. أثناء جريان الدواء إلى وريد وليد كانت تعبيرات الألم ترسم على وجهه تجاعيد عابسة حزينة... اقترنت بانقباض يده واعتصار عينيه... على إثر هذا لم أتمالك نفسي وأقبلت نحوه بهلع وهتفت:
"وليد... وليد..."
رأيت وليد يفتح عينيه... ثم يحاول تحريك رأسه ببطء يمينا ويسارا يفتش عن مصدر الصوت... فمددت يدي إلى يده وشددت عليها وقلت:
"وليد... صديقي... أنا هنا... سيف"
التفت وليد إلي, وبدا أنه غير مصدق, أو مشوش الرؤية... وأحسست بأصابعه تحاول أن تشد علي.. إلا أنها سرعان ما ارتخت وسرعان ما أسدلت عينيه الجفون وغطت الرؤية. وعندما ناديته بعدها لم يجبني.
وسمعت الممرضة تقول:
"أعطيته للتو الدواء المخدر"
فالتفتُ إليها وسألت في ذات الوقت الذي سأل والدي:
"هل هو بخير؟؟"
فأجابت:
"يتحسن. غير أنه لا يزال بحاجة إلى المخدر للسيطرة على الألم"
بعدها ذهب والدي لمتابعة القضية وبقيت بجوار وليد أراقبه بتمعن واعد الثواني متزامنة مع قطرات الدم المتدفقة من القارورة... متناغمة مع طنين الأجهزة ومؤشر دقات قلب وليد... وأنا شديد الحيرة والقلق والتشويش... إلى أن استفاق وليد أخيرا بعد نحو ساعتين... فاقتربت منه وشددت على يده برفق وقلت:
"سلامتك... يا عزيزي... ماذا حل بك؟؟"
نظر وليد نحوي وشد بضعف على يدي وأومأ متجاوبا معي... ثم نطق والقلق يغطي تعبيرات وجهه:
"سيف... الهاتف"
وفهمت منه أنه يريد استخدام الهاتف... استخرجت هاتفي وفيما أنا أمده نحوه سمعت الممرضة تقاطعنا قائلة:
"ممنوع... لا للهواتف المحمولة هنا"
تلفت من حولي ولم أجد جهاز هاتف ثابت فسألت:
"إذن كيف يمكننا الاتصال؟؟"
فقالت:
"خارج المبنى"
عدت إلى وليد والذي اشتد القلق على وجهه وسألت:
"بمن تريدني أن أتصل؟؟ بزوجتك؟"
فأومأ برأسه نفيا ثم قال:
"سامر... رغد..."
حل والدي المسألة بطريقة ما وأُطلق سراح وليد رسميا بعد ثلاثة أسابيع أخرى... وكان لا يزال ملازما سرير المستشفى وبحاجة للرعاية الطبية, وكنا أنا ووالدي نتنقل بين البلدتين لعيادته من وقت لآخر... وكنت أقوم بدور المرسال بينه وبين شقيقه.. غير أنه وفور صدور أمر الإفراج عنه أصر على مغادرة المستشفى مخالفا أمر الأطباء... ورافقته بنفسي إلى مكتب الطيران حيث حجز مقعدا على متن أول طائرة تغادر البلدة متجها إلى عائلته...
وليد أخبرنا أنا ووالدي عن مشكلة تورط شقيقه في الشغب... وعن تعرضه للضرب من قبل السلطات... واتضحت لنا الأمور الغامضة... غير أنه حذرنا من تسريب أي معلومات لأي كان أو لأي مكان... وبالأخص للمصنع وموظفيه...
ولذلك فإنني لدى تلقي اتصال من أسامة يسأل فيه عن وليد الغائب فجأة منذ أيام... زعمت أنه اضطر للسفر إلى شقيقته لظروف عائلية خاصة...
للعلم فإن حالة وليد الصحية لا تزال متدهورة ومعظم الأطعمة محظورة عليه...
وهناك شيء أخر سأخبركم به أيضا... وليد طلب من أبي أن يباشر إجراءات التنازل عن الوصاية على ابنة عمه اليتيمة القاصر لصالح شقيقه الوحيد... سامر!

**********

تلقيت مكالمة من المحامي يونس المنذر الذي يعمل مع وليد في المصنع, يسألني فيه عن وليد... ثم أبلغني بأنه مختف منذ أيام!
وأبلغني أيضا... بأن ابنة أخيه والتي تدرس مع رغد في الجامعة أكدت أن رغد عاودت الحضور إلى الجامعة لبضعة أيام ثم اختفت أيضا وفٌقد الاتصال بها... وأنهم حاولوا الاتصال مرارا بوليد عبر هاتفه المحمول وعبر هاتف المنزل وحتى هاتف رغد دون جدوى... وكذلك زاروا منزل وليد أكثر من مرة في أوقات مختلفة وما من أحد...
أشعرني ذلك بقلق شديد وحاولت الاتصال به بنفسي ولم أفلح. كان خالي قد كلمه آخر مرة يوم الخميس... وحسب قول خالي, كان وليد متوترا وقال أنه مشغول وقطع المكالمة فجأة. تفاقم القلق في نفسي كثيرا... وبلغ ذروته حين أخبرني المحامي في اتصال لاحق بأنه لاحظ اختفاء مبالغ كبيرة من رصيد وليد الخاص, ورصيد المصنع, وتغيّر مجرى قلقي ومخاوفي حين علمنا بعد ذلك أنه سافر.
كان أبو فادي صديق وليد هو من أبلغنا بهذا الخبر وأكدته عائلة أم حسام, خالة رغد... قالوا... أنهم علموا أنه سافر مع أخيه وابنة عمه إلى الخارج لأمر طارئ... لكنهم قالوا أنهم يجهلون أي تفاصيل...






التوقيع

.
.
.




ليس الوجع في أيام الفقد الأولى ، بل حين تأتي الأيام السعيدة
فتجد أنّ من يستطيع مشاركتك فرحتك بشكل أكبر و أعمق قد رحل ..!!










.
.

رد مع اقتباس